قلت : ذلك لورودهما في الكتاب (١) والسنّة (٢) ، وأمّا الكلام فلم يرد منه في الكتاب الكريم إلاّ ما كان صفةً للفعل (٣).
الفصل السابع عشر
في العناية الإلهيّة بخلقه وأنّ النظام الكوني في غاية ما يمكن من الحسن والإتقان
الفاعل العلميّ الذي لعِلْمِهِ دخلٌ في تمام علّيّته الموجبة إذا كان ناقصاً في نفسه مستكملا بفعله فهو بحيث كلّما قويت الحاجة إلى الكمال الذي يتوخاه بفعله زاد اهتمامه بالفعل وأمعن في إتيان الفعل بحيث يتضمّن جميع الخصوصيّات الممكنة اللحاظ في إتقان صُنْعِهِ واستقصاء منافعه ، بخلاف ما لو كان الكمال المطلوب بالفعل حقيراً غير ضروريّ عند الفاعل جائز الإهمال في منافعه ، وهذا المعنى هو المسمّى بـ «العناية» (٤).
والواجب (تعالى) غنيُّ الذات ، له كلّ كمال في الوجود ، فلا يستكمل بشيء من فعله ، وكلُّ موجود فِعْلُه ، ولا غاية له في أفعاله خارجةً من ذاته ، لكن لمّا كان له علم ذاتيّ بكلّ شيء ممكن يستقرّ فيه ، وعلْمُهُ الذي هو عين ذاته علّة لما سواه فيقع فِعْلُه على ما عَلِمَ من غير إهمال في شيء ممّا عَلِمَ من خصوصيّاته ، والكلّ معلوم ، فله (تعالى) عناية بخلقه.
__________________
(١) كقوله تعالى : (والله سميعٌ عليمٌ) البقرة : ٢٢٤. وقوله تعالى : (فانَّ الله سميعٌ عليم) البقرة : ٢٢٧. وقوله تعالى : (واعْلمُوا انّ الله سَميعٌ عَليمٌ) البقرة : ٢٤٤. وقوله تعالى : (والله بصيرٌ بما يعملون) البقرة : ٩٦.
(٢) عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبدالله يقول : «لم يزل الله عزّ وجلّ ربّنا والعلم ذاته ولا معلوم ، والسمع ذاته ولا مسموع ، والبصر ذاته ولا مبصَر ...» راجع اُصول الكافي ج ١ ص ١٤٣.
(٣) كقوله تعالى : (وكَلَّمَ الله مُوسى تَكْليماً) النساء : ١٦٤. وقوله تعالى : (وَلَمّا جاء مُوسى لميقاتِنا وَكلَّمَهُ ربَّهُ) الاعراف : ١٤٣.
(٤) ولمزيد التوضيح راجع الأسفار وتعليقة المصنّف (رحمه الله) عليه ج ٧ ص ٥٥ ـ ٥٧.