إنقسامات. منها : أنقسامه إلى مادّيّ ومجرّد ، وانقسام المجرّد إلى مجرّد عقليٍّ ومجرّد مثاليٍّ؛ وأشرنا هناك (١) إلى أنّ عوالم الوجود الكلّيّة ثلاثة : عالم التجرّد التامّ العقليّ ، وعالم المثال ، وعالم المادّة والمادّيّات؛ فالعالم العقليّ مجرّد تامّ ذاتاً وفعلا عن المادّة وآثارها؛وعالم المثال مجرّد عن المادّة دون آثارها من الأشكال والأبعاد والأوضاع وغيرها. ففي هذا العالم أشباح متمثّلة في صفة الأجسام التي في عالم المادّة والطبيعة في نظام شبيه بنظامها الذي في عالم المادّة؛ وإنّما الفرق بينه وبين النظام المادّيّ أنّ تعقُّبَ بعض المثاليّات لبعض بالترتّب الوجوديّ لا بتغيُّرِ صورة أو حال إلى صورة أو حال اُخرى بالخروج من القوّة إلى الفعل بالحركة ، كما هو الحال في عالم المادّة ، فحال الصور المثاليّة فيما ذكرناه مِن ترتُّب بعضها على بعض حالَ صورة الحركة والتغيّر في الخيال ، والعلم مجرّدٌ مطلقاً فالمتخيّل من الحركة علْمٌ بالحركة لا حركة في العلم ، وعلْمٌ بالتغيّر لا تغيّرٌ في العلم.
وعالم المادّة لا يخلو ما فيها من الموجودات من تعلّق مّا بالمادّة ، وتستوعبه الحركة والتغيّر ، جوهريّةً كانت أو عرضيّةً.
وإذ كان الوجود بحقيقته الأصيلة حقيقةً مشكّكةً ذاتَ مراتب مختلفة في الشدّة والضعف والشرف والخسّة ، تتقوّم كلّ مرتبة منها بما فوقها ويتوقّف عليها بهويّتها ، يستنتج من ذلك :
أوّلا : أنّ العوالم الثلاثة مترتّبةٌ وجوداً بالسبق واللحوق ، فعالم العقل قبلَ عالم المثال ، وعالم المثال قبلَ عالم المادّة وجوداً؛ وذلك لأنّ الفعليّة المحضة التي لا تشوبها قوّهٌ ولا يخالطها استعدادٌ أقوى وأشدّ وجوداً ممّا هو بالقوّة محضاً كالهيولى الاُولى أو تشوبه القوّة ويخالطه الاستعداد كالطبائع المادّيّة ، فعالَما العقل والمثال يسبقان عالَمَ المادّة.
ثمّ العقل المفارق أقلّ حدوداً وأوسع وجوداً وأبسط ذاتاً من المثال الذي تصاحبه آثار المادّة وإن خلا عن المادّة ، ومن المعلوم أنّ الوجود كلّما كان أقلّ
__________________
(١) راجع الفصل السابع عشر من هذه المرحلة ، والفصل الثالث من المرحلة الحادية عشرة.