الكم والكيف والوضع ونحوها من الأعراض ، والعلّة الموجِدة له هو آخر العقول الطوليّة المسمّى «عقلا فعّالا» عند المشّائين (١) ، و «بعض العقول العرضيّة» عند الإشراقيّين (٢).
وفيه أمثلة الصور الجوهريّة التي هي جهات الكثرة في العقل المفيض لهذا العالم المتمثّل بعضها لبعض بهيئات مختلفة من غير أن يفسد اختلاف الهيئات الوحدةَ الشخصيّةَ التي لجوهره. مثال ذلك : أنّ جمعاً كثيراً من أفراد الإنسان ـ مثلا ـ يتصوّرون بعض من لم يروه من الماضين ، وإنّما سمعوا اسمه وشيئاً من سيرته ، كلّ منهم يمثّله في نفسه بهيأة مناسبة لما يقدّره عليه بما عنده من صفته وإن غايرت الهيأة التي له عند غيره.
ولهذه النكتة قسموا المثالَ إلى خيال منفصل قائم بنفسه مستقلٍّ عن النفوس الجزئيّة المتخيّلة وخيال متّصل قائم بالنفوس الجزئيّة المتخيّلة.
على أنّ في متخيّلات النفوس صوراً جزافيّةً لا تناسب فعلَ الحكيم ، وفيها نسبةٌ إلى دعابات المتخيّلة.
الفصل الثاني والعشرون
في العالم الماديّ
وهو العالم المحسوس أخسّ مراتب الوجود ، ويتميّز عن العالميَنْ ـ عالم العقل وعالم المثال ـ بتعلُّقِ الصور فيه ذاتاً وفعلا أو فعلا بالمادّة وتوقّفها على الاستعداد. فما للأنواع التي فيها من الكمالات هي في أوّل الوجود بالقوّة ، ثمّ يخرج إلى الفعليّة بالتدريج ، وربّما عاقها من كمالها عائق ، فالعلل فيها متزاحمة متمانعة.
وقد عثرَتْ الأبحاث العلميّة الطبيعيّة والرياضيّة إلى هذه الأيّام على شيء
__________________
(١) راجع الفصل الرابع والفصل الخامس من المقالة التاسعة من إلهيات الشفاء؛ والنجاةص ٢٧٣ ـ ٢٧٨؛ والمبدأ والمعاد للشيخ الرئيس ص ٧٥ ـ ٨٢.
(٢) راجع حكمة الإشراق ص ١٤٣ ـ ١٤٤ ، والمطارحات ص ٤٥٥ ـ ٤٥٩.