وجه الاندفاع : أنّ الجهة مختلفةٌ ، فالإنسان المعقول ـ مثلا ـ من حيث إنّه مَقيس إلى الخارج كلّيٌّ ، ومن حيث إنّه كيفٌ نفسانيٌّ قائمٌ بالنفس غيرُ مَقيس إلى الخارج جزئيٌّ.
وإشكالٌ خامس : وهو أنّا نتصوّر المحالات الذاتيّة ، كشريك البارئ وسلب الشيء عن نفسه واجتماع النقيضين وارتفاعهما ، فلو كانت الأشياء حاصلةً بذواتها في الذهن استلزم ذلك ثبوتَ المحالات الذاتيّة.
وجه الإندفاع : أنّ الثابت في الذهن إنّما هو مفاهيمها بالحمل الأوّليّ لا مصاديقها بالحمل الشائع.
فالمتصوّر من شريك البارئ هو شريك البارئ بالحمل الأوّليّ.
وأمّا بالحمل الشائع فهو ممكنٌ وكيفٌ نفسانيٌّ معلولٌ للبارئ مخلوقٌ له.
الأمر الثاني : أنّ الوجود الذهنيّ لَمّا كان لذاته مَقيساً إلى الخارج كان بذاته حاكياً لما وراءه ، فامتنع أن يكون للشيء وجودٌ ذهنيٌ من دون أن يكون له وجودٌ خارجيٌّ محقَّقٌ كالماهيّات الحقيقيّة المنتزعة من الوجود الخارجيّ ، أو مقدَّرٌ كالمفاهيم غير الماهويّة التي يتعمّلها الذهن بنوع من الإستمداد من معقولاته ، فيتصوّر مفهوم العدم ـ مثلا ـ ويقدّر له ثبوتاً مّا يحكيه بما تصوّره من المفهوم.
وبالجملة شأن الوجود الذهنيّ الحكاية لما وراءه من دون أن تترتّب آثار المحكيّ على الحاكي.
ولا ينافي ذلك ترتُّبَ آثار نفسه الخاصّة به من حيث إنّ له ماهيّة الكيف.
وكذا لا ينافيه ما سيأتي (١) أنّ الصور العلميّة مطلقاً مجرّدةٌ عن المادّة ، فإنّ ترتُّبَ آثار الكيف النفسانيّ وكذا التجرّد حكمُ الصور العلميّة في نفسها والحكاية ، وعدم ترتُّبِ الآثار حكمها قياساً إلى الخارج ، ومن حيث كونها وجوداً ذهنيّاً لماهيّة كذا خارجيّةٌ.
ويندفع بذلك إشكالٌ أوردوه على القائلين بالوجود الذهني (٢) ؛ وهو أنّا
__________________
(١) راجع الفصل الأوّل من المرحلة الحادية عشرة.
(٢) إنّ هذا الإشكال مستفادٌ ممّا أورده أصحاب الشعاع ـ وهم الرياضيّون ـ على أصحاب