غيرُ مستقلٍّ عنها بوجه ، لم يكن محكوماً بحكم في نفسه إلاّ بانضمام علّته إليه ، فهو واجبٌ بإيجاب علّته التي هي الواجب بالذات يأبى العدم ويطرده بانضمامها إليه.
الفصل الخامس
الشيء ما لم يجب لم يوجَد (١) ، وفيه بطلان القول بالأولويّة
قد تقدّم (٢) أنّ الماهيّة في مرتبة ذاتها ليست إلاّ هي ، لا موجودةٌ ولا معدومةٌ ولا أيُّ شيء آخر ، مسلوبةٌ عنها ضرورةُ الوجود وضرورةُ العدم سلباً تحصيليّاً ، وهو «الإمكان» ؛ فهي عند العقلِ متساويةُ النسبة إلى الوجود والعدم؛ فلا يرتاب العقل في أنّ تلبُّسَها بواحد من الوجود والعدم لا يستند إليها لمكان استواء النسبة ، ولا أنّه يحصل من غير سبب ، بل يتوقّف على أمر وراء الماهيّة يخرجها من حدّ الاستواء ويرجّح لها الوجود أو العدم ، وهو «العلّة».
وليس ترجيح جانب الوجود بالعلّة إلاّ بإيجاب الوجود ، إذ لولا الإيجاب لم يتعيّن الوجود لها ، بل كانت جائزةَ الطرفين ، ولم ينقطع السؤال أنّها لِمَ صارت موجودة مع جواز العدم لها؟ فلا يتمّ من العلّة إيجادٌ إلاّ بإيجاب الوجود للمعلول قبلَ ذلك (٣).
والقول في علّة العدم وإعطائها الامتناعَ للمعلول نظيرُ القول في علّة الوجود وإعطائها الوجوبَ.
__________________
(١) وقال صدر المتألّهين في عنوان الفصل : «في إبطال كون الشيء أولى الوجود أو العدم ، أولويّة غير بالغة حدّ الوجوب» إنتهى كلامه في الأسفار ج ١ ص ١٩٩. والأصح أن يقال : «في إبطال كون الشيء أولى له الوجود أو العدم ، أوْلويّة غير بالغة حدّ الوجوب أو الإمتناع». والوجه في ذلك أنّه كما ليس ترجيح جانب الوجود بالعلّة إلاّ بإيجاب الوجود كذلك ليس ترجيح جانب العدم بالعلّة إلاّ إذا كانت العلّة بحيث تفيد امتناع معلولها ، وما ذكره (قدس سره) في عنوان الفصل لا يشمل جميع جوانب البحث.
ومن هنا يظهر قصور كلام المصنّف (قدس سره) في عنوان الفصل حيث قال : «الشيء ما لم يجب لم يوجد» لأنّ لا وجه لتخصيص الوجود بالذكر ، لما عرفت.
(٢) في الفصل الثاني من المرحلة الاُولى.
(٣) أي قبل الوجود.