فمن ضمّ الهاء ردّه إلى الأصل لأنه لو أفرد كان مضموما عند الابتداء به ، ومن كسره فلأجل الياء الساكنة. ومن كسر الهاء وجزم الميم فإنه يستثقل الضمّ مع مجاورة الياء الساكنة ، والياء أخت الكسرة والخروج من الضم إلى الكسر ثقيل. ومن ضمّ الهاء والميم أتبع فيه الضمّة.
ومن كسر الهاء وضمّ الميم فإنه كسر الهاء لأجل الياء وضمّ الميم على الأصل ، والاختلاس للاستخفاف ، وإلحاق الواو والياء للإتباع والله أعلم. قال الشاعر في الميم المختلسة :
والله لو لا شعبة من الكرم |
|
وسطة في الحي من خال وعم (١) |
لكنت فيهم رجلا بلا قدم |
(غَيْرِ الْمَغْضُوبِ) غير : صفة الذين. والذين معرفة ولا توصف المعارف بالنكرات ولا النكرات بالمعارف إلّا إن الذين ليس بمعرفة موقتة ولكنّه بمنزلة قولك : إني لأمرّ بالصادق غير الكاذب ، كأنك قلت : من يصدق لا من يكذب. ولا يجوز : مررت بعبد الله غير الظريف.
ومعنى كلامه : غير صراط الذين غضبت (عَلَيْهِمْ).
في معنى الغضب
واختلفوا في معنى الغضب من الله عزوجل ، فقال قوم : هو إرادة الانتقام من العصاة.
وقيل : هو جنس من العقاب يضادّ والرضا. وقيل : هو ذم العصاة على قبح أفعالهم.
ولا يلحق غضب الله تعالى العصاة من المؤمنين بل يلحق الكافرين.
(وَلَا الضَّالِّينَ) عن الهدى.
وأصل الضلال الهلاك ، يقال ضلّ الماء في اللبن إذا خفي وذهب ، و: رجل ضالّ إذا أخطأ الطريق ، و: مضلّل إذا لم يتوجّه لخير ، قال الشاعر :
ألم تسأل فتخبرك الديار |
|
عن الحي المضلل أين ساروا (٢) |
قال الزجاج وغيره : وإنما جاز أن يعطف بـ (لا) على غير ؛ لأن غير متضمّن معنى النفي ؛ فهو بمعنى لا ، مجازه : غير المغضوب عليهم وغير الضالين كما تقول : فلان غير محسن ولا مجمل. فإذا كان (غير) بمعنى سوى لم يجز أن يعطف عليها بـ (لا) ؛ لأنه لا يجوز في الكلام عندي سوى عبد الله ولا زيد. وروى الخليل بن أحمد عن ابن كثير : غَيْرَ الْمَغْضُوبِ نصبا.
وقرأ عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب ـ رضياللهعنهما ـ : (وغير الضالين) ، وقرأ السختياني (ولأ الضالئين) بالهمزة ؛ لالتقاء الساكنين ، والله أعلم.
__________________
(١) كتاب المنمق للبغدادي : ١٣٠.
(٢) تفسير القرطبي : ١ / ١٥٠.