الحق أمينا عند صاحب الحق فلم يرتهن منه شيئا لثقته وحسن ظنّه (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ). أفتعل من الأمانة ، وهي الثقة كتبت همزتها واوا لاضمام ما قبلها (أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ). في أداء الحق.
ثم رجع إلى خطاب الشهود فقال : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ). إذا دعيتم إلى إقامتها ، وقرأ السلمي : ولا يكتموا بالياء ومثله يعملون.
ثم ذكر وعيد كتمان الشهادة فقال عزّ من قائل : (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ). فاجر قلبه وهو ابتداء وخبر. وقرأ إبراهيم بن أبي عيلة : فإنّه أثم قلبه على وزن أفعل أي جعل قلبه أثما.
(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ). من بيان الشهادة وكتمانها.
روى مكحول عن أبي بردة عن أبيه عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «من كتم الشهادة إذا دعي ، كان كمن شهد بالزور» (١).
(لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ). الآية. اختلف العلماء في هذه الآية ، فقال قوم : هي خاصة. ثم اختلفوا في وجه خصوصها ، فقال بعضهم : نزلت في كتمان الشهادة وإقامتها يعني : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ). أيّها الشهود من كتمان الشهادة (أَوْ تُخْفُوهُ). الكتمان (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ). وهو قول الشعبي وعكرمة ورواية مجاهد ومقسم عن ابن عباس ، يدلّ عليه قوله فيما قبله : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ).
وقال بعضهم : نزلت هذه الآية فيمن يتولّى الكافرين من المؤمنين. يعني : وإن تعلنوا ما في أنفسكم من ولاية الكفّار أو تستروه يحاسبكم الله. وهو قول مقاتل والواقدي. يدلّ عليه قوله في آل عمران : [(قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ). من ولاية الكفّار (يَعْلَمْهُ اللهُ)] (٢) يدلّ عليه ما قبله.
وقال آخرون : هذه الآية عامّة. ثم اختلفوا في وجه عمومها ، فقال بعضهم : هي منسوخة.
روت الرواية بألفاظ مختلفة. قال : لمّا نزلت هذه الآية جاء أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وناس من الأنصار إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فجثوا على الركب وقالوا : يا رسول الله والله ما نزلت آية أشد علينا من هذه الآية وإنّا لا نسر أن يكون لأحدنا الدنيا وما فيها وإنّا لمأخوذون ما نحدّث به أنفسنا هلكنا والله ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «هكذا نزلت». قالوا : هلكنا وكلّفنا من العمل ما لا نطيق.
قال : «فلعلّكم تقولون كما قال بنو إسرائيل لموسى عليهالسلام (سَمِعْنا وَعَصَيْنا) ، بل قولوا : (سَمِعْنا وَأَطَعْنا)» [٢١٠].
__________________
(١) مجمع الزوائد : ٤ / ٢٠٠ ، والمعجم الأوسط : ٤ / ٢٧٠.
(٢) سورة آل عمران : ٢٩.