رخصة له ولا كرامة فأمّا إذا خرج مطيعا ومباحا له ذلك فانه يرخّص فيه له وهذا قول : مجاهد وسعيد بن جبير والضحّاك والكلبي ويمان وهو مذهب الشّافعي ، قال : إذا أبحنا له ذلك فقد أعناه على فساده وظلمه إلى أن يتوب ولا يستبيح ذلك وقال آخرون : هذا البغي والعدوان راجعان إلى الاكل واليه ذهب أبو حنيفة وأباح تناول الميتة للمضطر وإن كان عاصيا.
ثمّ اختلف أهل التأويل في تفصيل هذا التفسير : فقال الحسن وقتادة والرّبيع وابن زيد : (غَيْرَ باغٍ) : يأكله من غير اضطرار ، (وَلا عادٍ) : متعدي يتعدى الحلال إلى الحرام فيأكلها وهو غني عنها.
مقاتل بن حيّان : (غَيْرَ باغٍ) : أي مستحل لها ، (وَلا عادٍ) : متزود منها.
السّدي : (غَيْرَ باغٍ) في أكله شهوة فيأكلها ملذذا ، (وَلا عادٍ) يأكل حتّى يشبع منه ؛ ولكن يأكل منها قوتا مقدار ما يمسك رمقا.
شهر بن حوشب : (غَيْرَ باغٍ) : أي مجاوز للقدر الّذي يحلّ له ، (وَلا عادٍ) ولا يقصر فيما يحلّ له فيدعه ولا يأكله.
قال مسروق : بلغني إنّه من اضطر إلى الميتة فلم يأكلها حتّى مات دخل النّار ، وقد اختلف الفقهاء في مقدار ما يحلّ للمضطر أكله من الميتة.
فقال بعضهم : مقدار ما يمسك به رمقه ، وهو أحد قولي الشّافعي واختيار المزني.
والقول الآخر : يأكل منها حتّى يشبع ، وقال مقاتل بن حيّان : لا يزداد على ثلاث لقم.
وقال سهل بن عبد الله : (غَيْرَ باغٍ) مفارق لجماعة ، (وَلا عادٍ) مبتدع مخالف لسنّة ، ولم يرخص للمبتدع تناول المحرمات عند الضرورات.
(فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) فلا حرج عليه في أكلها.
(إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لما أكل من الحرام في حال الاضطرار.
(رَحِيمٌ) به حيث رخص له في ذلك.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ) الآية.
قال جويبر عن الضّحاك عن ابن عبّاس : سئلت الملوك اليهود قبل مبعث محمّد صلىاللهعليهوسلم عن الذي يجدونه في التوراة فقالت اليهود : إنّا لنجد في التوراة إنّ الله عزوجل يبعث نبيّا من بعد المسيح يقال له : محمّد ، يحرّم الزّنى والخمر والملاهي وسفك الدّماء ، فلما بعث الله محمّدا صلىاللهعليهوسلم ونزل المدينة قالت الملوك لليهود : أهذا الذي تجدون في كتابكم؟ فقالت اليهود طمعا في أموال الملوك : ليس هذا بذلك النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فأعطاهم الملوك الأموال ، فأنزل الله تعالى هذه الآية