رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله تعالى (وَكُلُوا) يعني في ليالي الصّوم (وَاشْرَبُوا) فيها (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) أي بياض النّهار وضوءه من سواد الليل وظلمته ، كذا قال المفسرون. قال الشاعر :
الخيط الأبيض وقت الصّبح منصدع |
|
والخيط الأسود لون الليل مكموع (١) |
وإنّما سمّي بذلك تشبيها بالخيط ؛ لابتداء الضوء والظلمة لامتدادهما.
وقال ابو داود :
فلمّا أضاءت لنا غدوة |
|
ولاح من الصبح خيط أنارا (٢) |
وقد ورد النّص عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في تفسير هذه الآية.
وروى مخالد عن عامر عن عدي بن حاتم قال : علمني رسول الله صلىاللهعليهوسلم الصّلاة والصّيام قال : صل كذا ، وصم كذا ، فإذا غابت الشمس : فكل واشرب حتّى يتبين لك (الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) ، وصم ثلاثين يوما إلى أن ترى الهلال قبل ذلك ، قال : فأخذت خيطتين من شعر أبيض وأسود ، وكنت أنظر فيهما فلا يتبين لي.
فذكرت ذلك للنّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فضحك رسول الله صلىاللهعليهوسلم : حتّى بدت نواجذه وقال : «يا ابن حاتم إنما ذلك بياض النهار من سواد الليل» [٦١] (٣).
وروى أبو حازم عن سهل بن سعد قال : نزلت هذه الآية (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) ولم يقول : من الفجر.
كان رجال إذا أرادوا الصوم يضع أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود فلا يزال يأكل ويشرب حتّى يتبين لهم فأنزل الله تعالى (مِنَ الْفَجْرِ) فعلموا إنّما يعني بذلك الليل والنهار.
والفجر انشقاق عمود الصبح وابتداء ضوءه ، وهو مصدر من قولك فجرّ الماء يفجر فجرا إذا انبعث وجرى شبّهه شق الضوء بظلمة الفجر ، الماء الحوض إذا شقه وخرج منه وهما فجران ، أحدهما : يسطع في السماء مستطيلا كذنب السرحان ولا ينتشر فذلك لا يحل الصلاة ولا يحرم الطعام على الصائم وهو الفجر الكاذب.
والثاني : هو المستطير الذي ينتشر ويأخذ الأفق ضوء الفجر الصادق الذي يحل الصلاة ويحرم الطعام على الصائم وهو المعني بهذه الآية.
__________________
(١) الدر المنثور : ١ / ٤٨٠.
(٢) مجمع البيان : ١ / ٥٠٢.
(٣) راجع تحفة الأحوذي : ٣ / ٣٢٠ ، والمعجم للطبراني : ١٧ / ٧٨.