الناس زمان يحج أغنياء الناس للنزهة ، وسائلهم للتجارة وقرّاؤهم للرياء والسمعة وفقرائهم للمسألة» [٧٧] (١).
وفي هذا المعنى كان يقول عمر بن الخطاب رضياللهعنه : الوفّاد كثير والحجاج قليل.
حكم الآية
اختلف الفقهاء في العمرة ، فقال قوم : هي سنّة حسنة وليست بفريضة واجبة وهو مذهب أحمد ومالك بن أنس وأبي ثور وقول الشافعي في القديم وهو اختيار جرير بن محمّد الطبري ، واحتجوا بقراءة الشعبي وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةُ لِلَّهِ رفعا.
وبما روى محمّد بن المنكدر عن جابر عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم إنّه سأل عن العمرة أواجبة هي أم لا؟
وأن تعتمروا خير لكم؟ وفي مهاجر الحج فريضة والعمرة تطوع قالوا أيضا لما ذكر الله فرض الحج لم يذكر معه العمرة ، وقال عزّ من قائل (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) (٢).
وقال الآخرون : ان العمرة فريضة وهي الحج والأصغر ، وهو قول علي وابن عبّاس وزيد ابن ثابت وعلي بن الحسين وعطاء وقتادة وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وقول الشافعي في الجديد والأصح من مذهبه واختيار أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ، واحتجوا في ذلك بقراءة العامة (وَالْعُمْرَةَ) ، نصبا على معنى وأتموا فرض الحج والعمرة.
وبما روي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم إنّه قال : «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» [٧٨] (٣).
وروى عكرمة عن ابن عبّاس إنّه قال : والله إن العمرة لفريضة الحج ، في كتاب الله (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) وقال ابن عمر : ليس من خلق الله أحد إلّا وعليه حجة وعمرة واجبتان إن استطاع إلى ذلك سبيلا ، كما قال الله تعالى. فمن زاد بعد ذلك فهو خير وتطوع.
وقال مسروق : أمرنا في كتاب الله بأربعة : إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والحجّ والعمرة فنزّلت العمرة من الحجّ منزلة الزكاة من الصلاة ، ثمّ تلا هذه الآية (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ).
وقال عبد الملك بن سليمان : سأل رجل سعيد بن جبير عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ان العمرة فريضة هي أم تطوع؟ فقال : فريضة ، قال : فإن الشعبي يقول هي تطوع ، قال : كذّب الشعبي ، ثمّ قرأ (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) ، فمن قال : إن العمرة ليست بفرض يأول الآية على معنى : أتموها إذا دخلتم فيها ولم يرد ابتدأ الدخول فيه فرضا عليه ، وذلك كالمتطوع بالحج لا خلاف فيه إذا أحرم أنّ
__________________
(١) كنز العمال : ٥ / ١٣٣ ح ١٢٣٦٢ ، وتاريخ بغداد : ١٠ / ٢٩٥.
(٢) سورة آل عمران : ٩٧.
(٣) سنن الترمذي : ٢ / ٢٠٥ ح ٩٢٦ ، وسنن النسائي : ٥ / ١٨١.