ثم ذكر مناقبهم فقال : (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) إلى (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً). الآية. قال مقاتل : إنّ رؤوس اليهود كعبا وعديا والنعمان وأبا رافع وأبا ياسر وكنانة وأبو صوريا عمدوا إلى مؤمنيهم عبد الله بن سلام وأصحابه : فآذوهم لإسلامهم ، فأنزل الله تعالى (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً) يعني لن يضركم أيها المؤمنون هؤلاء اليهود إلّا أذى باللسان يعني وعيدا وطعنا. وقيل : دعاء إلى الضلالة. وقيل : كلمة الكفر إن يسمعوها منهم يتأذّوا بها (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ) منهزمين ، وهو جزم بجواب الجزاء ، (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) استأنف (١) لأجل رؤوس الآي لأنها على النون ، كقوله (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) (٢). تقديرها : ثم هم لا ينصرون.
وقال في موضع آخر : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) (٣) ؛ إذ لم يكن رأس آية.
قال الشاعر :
ألم تسأل الربع القديم فينطق
أي فهو ينطق.
قال الأخفش : قوله (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً) استثناء خارج من أول الكلام ، كقول العرب : ما اشتكى شيئا إلّا خيرا ، قال الله تعالى (لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً. إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً) (٤) ولأن هذا الأذى لا يضرهم. ومعناه لكن آذى.
(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا) : حيثما وجدوا ولقوا ، يعني : حيث ما لقوا غلبوا واستضعفوا وقتلوا فلا يؤمنون (إِلَّا بِحَبْلٍ) : عهد من الله (وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) : محمد والمؤمنين يردون إليهم الخراج فيؤمنونهم. وفي الكلام اختصار ، يعني : إلّا أن يعتصموا بحبل ، كقول الشاعر :
رأتني بحبليها فصدّت مخافة |
|
وفي الحبل روعاء الفؤاد فروق |
أي أقبلت بحبليها.
وقال آخر :
حنتني حانيات الدهر حتى |
|
كأني خامل أدنو لصيد |
قريب الخطو يحسب من رآني |
|
ولست مقيدا أني بقيد |
__________________
(١) أي جعلت (ثُمَ) استئنافية لا عاطفة ، ولو جعلها عاطفة لجزم الفعل بعدها.
(٢) المرسلات : ٣٦.
(٣) فاطر : ٣٦.
(٤) النبأ : ٢٥.