كما يقول بصريّ منسوب إلى بصرة ، فكذلك (رِبِّيُّونَ) منسوب إلى الربّ ، وقال بعضهم : مطيعون منيبون إلى الله (فَما وَهَنُوا).
قرأه العامة : بفتح الهاء ، وقرأ قعنب أبو السماك العدوي : بكسر الهاء ، فمن فتحه فهو من وهن يهن وهنا ، مثل وعد يعد وعدا ، قاله المبرد وأنشد :
إن القداح إذا اجتمعن فرامها |
|
بالكسر ذو جلد وبطش أيد |
عزّت ولم تكسر وإن هي بددت |
|
قالوهن والتكسير للمتبدد (١) |
ومن كسر فهو من وهن يهن ، مثل ورم يرم قاله أبو حاتم.
فقال الكسائي : هو من وهن يوهن وهنا ، مثل وجل يوجل وجلا.
قال الشاعر :
طلب المعاش مفرق بين الأحبة والوطن |
|
ومصير جلد الرجال إلى الضّراعة والوهن (٢) |
ومعنى الآية : فـ (ما ضَعُفُوا) عن الجهاد لما نالهم من ألم الجراح ، وقيل : الأصحاب وما عجزوا لقتل نبيّهم.
قال قتادة والربيع : يعني ما ارتدّوا عن بصيرتهم ودينهم ، ولكنهم قاتلوا على ما قاتل عليه نبيهم حتى لحقوا بالله ، السدي : وما ذلّوا ، عطاء : وما تضرّعوا ، مقاتل : وما استسلموا وما خضعوا لعدوهم ، أبو العالية : وما جبنوا ، المفضل والقتيبي : وما خشعوا ، ومنه أخذ المسكين لذله وخضوعه وهو مفعيل منه ، مثل معطير من العطر ومنديل من الندل ، وهو دفعه من واحد إلى آخر ، وأصل الندل السوق ، ولكنهم صبروا على أمر ربّهم وطاعة نبيّهم وجهاد عدوهم.
(وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَما كانَ قَوْلَهُمْ).
قرأ الحسن وابن أبي إسحاق : (قَوْلُهُمْ) بالرفع على اسم كان وخبره في قوله : (أَنْ قالُوا).
وقرأ الباقون : بالنصب على خبر كان والاسم في أن ، قالوا تقديره : وما كان قولهم إلّا قولهم كقوله : (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) (٣) و (ما كانَ حُجَّتَهُمْ) (٤) ونحوهما ، ومعنى الآية : (وَما كانَ قَوْلَهُمْ) عند قتل نبيّهم (إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا) يعني خطايانا الكبار ، وأصله مجاوزة الحد (وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) كيلا تزول (وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) فهلا فعلتم وقلتم مثل ذلك يا أصحاب محمد (فَآتاهُمُ اللهُ) ، وقرأ الجحدري : فأثابهم الله من
__________________
(١) تفسير الطبري : ١ / ٥٦٨ ، شرح نهج البلاغة : ١٧ / ٧.
(٢) تاريخ مدينة دمشق : ٤٩ / ١٣٣.
(٣) سورة الأعراف : ٨٢.
(٤) سورة الجاثية : ٢٥.