لا أرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو ، ثم قاتل القوم حتى قتل ، وأخذوا عمرو بن أمية أسيرا ، فلما أخبرهم أنه من مضر أطلقه عامر بن الطفيل وجز ناصيته وأعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمّه ، فقدم عمرو بن أمية على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبره الخبر ، فقال رسول الله : «هذا عمل أبي براء قد كنت لهذا كارها متخوفا» [١٨٣] فبلغ ذلك أبا براء فشق عليه إخفار عامر إياه وما أصاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم بسببه وجواره ، وكان فيمن أصيب عامر بن فهيرة.
وروى محمد بن إسحاق عن هشام بن عروة : أن عامر بن الطفيل كان يقول : من الرجل منهم لما قتل رأيته رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء من دونه ، قالوا : هو عامر بن فهيرة (١).
قالوا وقال حسان بن ثابت يحرض أبي براء على عامر بن الطفيل :
فتى أم البنين ألم يرعكم |
|
وأنتم من ذوائب أهل نجد |
نهكم عامر بأبي براء |
|
ليخفره وما خطأ كعمد |
ألا أبلغ ربيعة ذا المساعي |
|
فما أحدثت في الحدثان بعدي |
أبوك أبو الحروب أبو براء |
|
وخالك ماجد حكم بن سعد (٢) |
وقال كعب بن مالك في ذلك.
لقد طارت شعاعا كل وجه |
|
خفارة ما أجار أبو براء |
بني أم البنين أما سمعتم |
|
دعاء المستغيث مع النساء |
وتنويه الصريخ بلى ولكن |
|
عرفتم أنه صدّق اللقاء (٣) |
فلما بلغ ربيعة من البراء قول حسان وقول كعب بن مالك ، حمل على عامر بن الطفيل وطعنه فخر عن فرسه فقال : هذا عمل أبي براء ، إن متّ فدمي لعمي ولأتبعنّ به وإن أعش فسأرى فيه الرأي. وقال إسحاق بن أبي طلحة حدثني أنس بن مالك قال : أنزل الله تعالى في شهداء بئر معونة قرآنا بلّغوا قومنا عنا إنا قد لقينا ربّنا فرضي عنّا ورضينا عنه ، ثم نسخت ورفعت بعد ما قرأناها زمانا وأنزل الله عزوجل (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً) الآية.
وقال بعضهم : إن أولياء الشهداء كانوا إذا أصابتهم نعمة أو سرورا تحسروا على الشهداء وقالوا : نحن في النعمة والسرور وآباؤنا وأبناؤنا وإخواننا في القبور ، فأنزل الله عزوجل تنفيسا عنهم وإخبارا عن حال قتلاهم (وَلا تَحْسَبَنَ) ولا تظنن وروى هشام عن أهل الشام : (يحسبن)
__________________
(١) بطوله في تاريخ الطبري : ٢ / ٢٢١.
(٢) تاريخ الطبري : ٢ / ٢٢١.
(٣) تاريخ الطبري : ٢ / ٢٢١.