بالياء. وقرأ الحسن وابن عامر : (الذين قتّلوا) مشددا ، (أَمْواتاً) كموت من لم يقتل في سبيل الله ، ونصب (أَمْواتاً) على المفعول الثاني ، لأن الحسبان يتعدى إلى مفعولين ، فإذا قلت : حسبت زيدا ، لا يكون كلاما تاما حتى تقول : قائما أو قاعدا (بَلْ أَحْياءٌ) تقديره : بل هم أحياء.
وقرأ ابن أبي عبلة : أحياءً نصبا أي أحسبهم أحياء (عِنْدَ رَبِّهِمْ).
وقال بعضهم : يعني أحياء في الدنيا حقيقة (١) ، وقيل : [في العالم] وقيل : بالثناء والذكر ، كما قيل :
موت التقي حياة لا فناء لها |
|
قد مات قوم وهم في الناس أحياء (٢) |
وقيل : ممّا هم أحياء.
(رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) ويأكلون ويتنعمون كالأحياء ، وقيل : إنه يكتب لهم في كل سنة ثواب غزوة ويشتركون في فضل كل مجاهد يكون في الدنيا إلى يوم القيامة ، لأنهم سلوا أمر الجهاد ، فيرجع أجر من يقتدي بهم إليهم ، نظيره قوله : (كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً) (٣) الآية ، وقيل : لأن أرواحهم تركع وتسجد كل ليلة تحت العرش إلى يوم القيامة ، كأرواح الأحياء من المؤمنين الذين باتوا على الوضوء. وقيل : لأن الشهيد لا يبلى في القبر ولا تأكله الأرض.
يقال : أربعة لا تبلى أجسادهم : الأنبياء والعلماء والشهداء وحملة القرآن.
وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة : أنه بلغه أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاريين ثم السلميين ، كانا قد خرّب السيل قبرهما وكانا في قبر واحد وهما من شهداء أحد ، وكان قبرهما ممّا يلي السيل ، فحفر عنهما ليغيّروا عن مكانهما فوجدا لم يتغيرا ، كأنهما ماتا بالأمس ، وكان قد جرح فوضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك ، فأميطت يده عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت ، وكان بين يوم أحد وبين يوم حفر عنهما ستة وأربعون سنة. وقيل : سمّوا أحياء لأنهم لا يغسّلون كما لا يغسل الأحياء.
وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «زمّلوهم في كلومهم ودمائهم ، اللون لون الدم والريح ريح المسك» (٤) [١٨٤].
وقال عبيد بن عمر : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين انصرف يوم أحد مرّ على مصعب بن عمير
__________________
(١) وهذا قول ابن عباس وقتادة ومجاهد والحسن وعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء والجبائي والرماني ، راجع تفسير مجمع البيان : ١ / ٤٣٧.
(٢) تفسير القرطبي : ٤ / ٢٦٩.
(٣) سورة المائدة : ٣٢.
(٤) السير الكبير : ١ / ٢٣٢ ، ح ٢٩٤.