فصل في بسط الآية
اعلم أن الوراثة كانت في الجاهلية بالرجولية والقوة ، وكانوا يورثون الرجال دون النساء والأطفال ، فأبطل الله عزوجل ذلك بقوله : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ) وكانت الوراثة أيضا في الجاهلية ، وبدأ الإسلام بالمحالفة قال الله : (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ) يعني الحلفاء (فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) وأعطوهم حظهم من الميراث ، ثم صارت بعد الهجرة ، قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) (١) فنسخ هذا كله وصارت الوراثة على وجهين : بالسبب والنسب ، فأما السبب فهو النكاح والولاء ، وهذا علم عريض لذلك.
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «عليكم بالفرائض فإنها نصف العلم وهو أول علم ينزع من أمتي» (٢) [٢٥٠].
ولا يمكن معرفة ذلك إلّا بمعرفة الورثة والسهام ، وقد أفردت فيه قولا وجيزا جامعا كما يليق بشرط الكتاب والله الموفق للصواب.
اعلم أن الميت إذا مات يبدأ أولا بالتجهيز ثم بقضاء ديونه ثم بإنفاذ وصاياه ، فما فضل يقسّم بين الورثة ، والورثة على ثلاثة أقسام :
منهم من يرث بالفرض ، ومنهم من يرث بالتعصيب ، ومنهم من يرث بهما جميعا ، فصاحب الفرض : من له سهم معلوم ونصيب مقدّر ، مثل البنات والأخوات والأمهات والجدّات والأزواج والزوجات ، وصاحب التعصيب : من يأخذ جميع المال عند عدم أصحاب الفروض ، أو يأخذ الفاضل منهم ويكون محروما إذا لم يفضل من أصحاب السهام شيء ، مثل الأخ والعم ونحوهما ، والذي يرث بالوجهين : هو الأب مع البنت وبنت الابن ، يأخذ نصيبه المقدر وهو السدس ، ثم يأخذ ما فضل منهما وجملة الورثة سبعة عشر ، عشرة من الرجال : الابن وابن الابن وإن سفل والأب وأب الأب وإن علا والأخ وابن الأخ والعم وابن العم والزوج ومولى العتاق ، ومن النساء سبع : البنت وبنت الابن والأم والجدّة والأخت والزوجة ومولاة العتاق ، والذين لا يسقطهم من الميراث أحد الستة ، الأبوان والولدان والزوجان.
والعلة في ذلك : أنه ليست بينهم وبين الميت واسطة ، والذين لا يرثون بحال ستة : العبد والمدبّر والمكاتب وأم الولد وقاتل العمد وأهل الملتين ، والسهام المحدودة في كتاب الله عزوجل ستة : النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس.
__________________
(١) سورة الأنفال : ٧٢.
(٢) فتح الباري : ١٢ / ٤ ، كنز العمال : ١١ / ٣ بتفاوت يسير.