قوله (إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ).
تمام الكلام هاهنا.
ثم أصبح يقصر صلاة المسافر واو العطف فقال : (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) يريد فإن خفتم وهو حرف شرط وفي القرآن مثل هذا كثير أي خفي الخبر بتمامه ثم عطف عليه حرف منفصل عنه في الباطن وهو في الظاهر كالمتصل كقوله (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) (١) الآية.
هذا اعتراف امرأة العزيز ثم وصل بها حكاية أخرى عن يوسف وهو قوله (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) لأن بعد الاعتراف بالذنب لا معنى لقولها (لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ).
وفي التفسير : أنّ يوسف لما قال هذه المقالة. قال له جبرئيل عليهالسلام ولا حين هممت؟ وعندئذ قال يوسف (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) (٢) ومثل قوله تعالى (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ) وقال : (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (٣) افتتاح كلام آخر يريد به النفي لأنه لو كان متصلا بأول الكلام كان معناه [....] (٤).
قال : وحمل الآية على نحو ما أشرنا إليه من النظم يفيد زيادة معنى وهو وجوب القصر في السفر من غير خوف نص الآية لأنك متى ما فصلت قوله تعالى (أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) متصلا بذكر قصر الصلاة لزمك أن تقول قصر الصلاة في السفر من غير خوف بالسنّة وأن السنّة ناسخة الكتاب ، قيل : على زيادة معنى مع استقامة نظمها أولى من حملها على غيرها.
حكم الآية
اختلف أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومن بعدهم في إتمام الصلاة في السفر أربع ركعات ولكن أبيح له القصر تخفيفا عنه وإليه ذهب الشافعي ، ورجّح الوجوب طلحة بن عمرو عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة رضياللهعنها قالت : كل ذلك قد فعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعسفان في غزوة بني لحيان (٥).
(وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) الآية.
روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وجابر قالا : إن المشركين لما رأوا أن رسول
__________________
(١) سورة يوسف : ٥١.
(٢) تفسير الطبري : ١٣ / ٤.
(٣) سورة القصص : ٦٨.
(٤) كلام غير مقروء.
(٥) راجع أحكام القرآن للجصّاص : ٢ / ٣٣١.