يعني به قلبه ، وكان يطوف به على نسائه في مرضه حتى حلّلته [نساءه] (١) فأقام عند عائشة ، وعماد القسم الليل ، لأنه يسكن فيه قال الله تعالى : (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ) (٢) فمتى كان عند الرجل حرائر مسلمات وذمّيات فهو في القسم سواء ويقسم للحرّة ليلتين ، وللأمة ليلة إذا خلى المولى بينه وبينها في ليلتها ويومها ، وللأمة أن تحلله من قسمها دون المولى لأنه حقها في خاصة نفسها ولا يجامع المرأة في غير يومها ، ولا لرجل أن يدخل في الليل على التي لم يقسم لها ، ولا بأس أن يدخل عليها بالنهار في حاجة ويعودها في مرضها في ليلة غيرها ، فإن ثقلت فلا بأس أن يقيم حتى تخف أو تموت ثمّ يوفي من بقي من نسائه مثل ما بقي عندها ، وإن أراد أن يقسم بين ليلتين ليلتين أو ثلاثا كان له ذلك (٣).
ذكر استدلال من استدل من هذه الآية على تكليف ما لا يطاق
قالوا : قال الله عزوجل (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) فأمرهم الله عزوجل أن يعدلوا ، وأخبر أنهم لا يستطيعون أن يعدلوا فقد أمرهم بما لا يستطيعون وكلفهم مالا يطيقون.
إن قال قائل : هل كلف الله الكفار ما لا يطيقون؟ قيل له : إن أردت أنه كلفهم ما لا يطيقون لعجز حائل وآفة مانعة ، فلا ، لأنه قد صحح أبدانهم وأكمل نطقهم وأوجدهم [في الأرض] (٤) ودفع عنهم العلل والآفات ، وإن أردت أنه كلّفهم ما لا يقدرون عليه بتركهم له واشتغالهم بضدّه ، فقد كلفهم ذلك.
فإن قالوا : أفيقدر الكافر لا يتشاغل للكفر؟ قيل لهم : إن معنى لا يتشاغل بالكفر هو أن تؤمن فكأنكم قلتم : يقدر ان يؤمن وهو مقيم على كفره فقد قلنا إنه مادام مشغولا بكفر ليس بقادر على الإيمان على ما جوزت اللغة من أن الإنسان قادر على الفعل بمعنى أنه إن لم يفرط فأثر فيه ـ كما قالوا ـ فلان يقدر على رجل يعني يقدر عليه لو رامه وقصد إلى حمله ، نضير قولهم : فلان يفهم أي إنه يفهم الشيء ، إذا أورد عليه ، وكذلك يقولون : الطعام مشبع ، والماء مروي ، ويعني في ذلك أن الطعام يشبع إذا أكل.
والماء يروي إذا شرب.
والذي يوضح ذلك ما يتداوله الناس بينهم من قول الرجل : قم معي في حال كذا ،
__________________
(١) زيادة يقتضيها السياق.
(٢) سورة الأنعام : ١٣.
(٣) راجع مختصر المزني : ١٨٥.
(٤) كذا الظاهر.