وملكك ـ قال ـ وإنما كان للملك التحية لنا ونحن الأوثان. فبعث الله فينا نبيا صادقا ، وأمرنا بالتحية التي رضيها الله لنا. وهو السلام تحية أهل الجنّة. فعرف النّجاشي أن ذلك حق فيما جاء في التوراة والإنجيل. قال : أيّكم الهاتف : يستأذن عليك حزب الله؟ قال جعفر : أنا. قال : تكلّم. قال : إنّك ملك من ملوك أهل الأرض ومن أهل الكتاب ولا يصلح عندك كثرة الكلام ولا الظلم ، وأنا أحبّ أن أجيب عن أصحابي فمن هذين الرّجلين أن يتكلّم أحدهما وينصت الآخر. فتسمع محاورتنا. فقال عمرو لجعفر : تكلّم.
فقال جعفر للنجاشي : سل هذين الرجلين. أعبيد نحن أم أحرار؟ فإن كنّا عبيدا أبقنا من أربابنا فارددنا إليهم. فقال النجاشي : أعبيد هم يا عمرو أم أحرار؟ قال : لا ، بل أحرار كرام. فقال النجاشي : نجّوا من العبودية ، ثم قال جعفر : سلهما هل أهرقنا دما بغير حق؟ فاقتصّ منّا. فقال عمرو : لا ولا قطرة. فقال جعفر : سلهما هل أخذنا أموال النّاس بغير حق فعلينا إيفاؤها.
فقال النّجاشي : قل يا عمرو. وإن كان قنطارا. فعليّ قضاؤه قال : لا ولا قيراط. قال النّجاشي : فما تطلبون منهم؟ قال عمرو : كنّا وهم على دين واحد وأمر واحد على دين آبائنا ، وتركوا ذلك الدين واتبعوا غيره. ولزمناه نحن فبعثنا إليك قومهم لتدفعهم إلينا.
فقال النجاشي : ما هذا الدين الذي كنتم عليه والدين الّذي اتبعتموه؟ قال جعفر : أمّا الدين الذي كنّا عليه فتركناه فهو دين الشيطان وأمره. كنّا نكفر بالله ونعبد الحجارة. وأما الذي تحولنا إليه فدين الإسلام جاءنا به من الله رسول وكتاب مثل كتاب ابن مريم موافقا له. فقال النجاشي : يا جعفر تكلّمت بأمر عظيم فعلى رسلك. فأمر النجاشي فضرب بالناقوس. فاجتمع إليه كل قسّيس وراهب. فلمّا اجتمعوا عنده قال النّجاشي : أنشدكم الله الذي أنزل الإنجيل على عيسى. هل تجدون بين عيسى وبين يوم القيامة نبيّا مرسلا؟ فقالوا : اللهم نعم. قد بشرّنا به عيسى عليهالسلام فقال : من آمن به فقد آمن بي ومن كفر به فقد كفر بي. فقال النجاشي لجعفر : هيه : أي هات ما ذا يقول لكم هذا الرّجل؟ وما يأمركم به؟ وما ينهاكم عنه؟ فقالوا : يقرأ علينا كتاب الله ، ويأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، ويأمر بحسن الجوار ، وصلة الرحم ، ويأمر للوالدين واليتيم ، ويأمر بأن نعبد الله وحده لا شريك له. فقال : اقرأ عليّ شيئا ممّا يقرأ عليكم. فقرأ عليهم سورة العنكبوت والرّوم. فغاضت أعين النّجاشي وأصحابه من الدمع. وقالوا : يا جعفر زدنا من هذا الحديث الطّيب. فقرأ عليهم سورة الكهف. فأراد عمرو أن يغضب النّجاشي. فقال : إنّهم يشتمون عيسى وأمّه. فقال النّجاشي : ما تقولون في هذا؟ فقرأ جعفر عليهم سورة مريم فلمّا أتى على ذكر مريم وعيسى رفع النّجاشي نفسه من سواكه قدر ما يقذي العين وقال : ما زاد المسيح على ما يقولون.
ثم أقبل على جعفر وأصحابه فقال : اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي يقول آمنون من سبّكم أو