مضافا إلى أنّ البناء على الإجمال مفسدة اخرى ، لأنّ البناء على الإجمال مع عدم الإجمال ، فيه ما فيه.
وأعجب من ذلك أن يجعل ذلك مناط الاستدلال ، ومع ذلك إنّا نقول : ما دلّ على طلبها من الراوي وغيره ظاهره الاستحباب ، كما عرفت ، فكما يصير مبيّنا في كون المراد من الصحاح طلب الجمعة منهم عند التمكّن ، كذا يصير مبيّنا في أنّ المراد منها عدم الوجوب العيني بالبديهة ، لما عرفت من كون ظاهرها عدم الوجوب العيني ، فيكون المراد من الوجوب في هذه الصحاح معناه الحقيقي ، وهو القدر المشترك بين العيني والتخييري والكفائي وغيرها ، فإنّ الوجوب العيني فرد من مطلق الوجوب لا عينه ، كيف ، والتخييري والكفائي ، والموسّع والمضيّق كلّ واحد واحد وجوب حقيقة لا مجازا.
نعم ، مطلقه ينصرف إلى العيني ، لأنّه الفرد الكامل ، فكون الوجوب في هذه الصحاح مستعملا في معناه الحقيقي والموضوع له الواقعي ، أولى من حمل ما دلّ على الاستحباب على الوجوب العيني ، سيّما مع ما فيها من القرائن الكثيرة الواضحة ، على ما عرفت ، وأين الثرى من الثريا؟
هذا ؛ مضافا إلى ما عرفت من أنّ ما دلّ على الاستحباب مفسّر ومبيّن.
ويؤيّد الحمل المذكور ما ورد في الصحيح من أنّ الجمعة واجبة على خمسة فما زاد (١) إذ لا شكّ في أنّ وجوبها على الخمسة والستّة تخييري ، كما عرفت وستعرف ، وما زاد على الستّة عيني.
فظهر أنّ الوجوب في هذا الصحيح وما ماثله مستعمل في معناه الحقيقي الواقعي ، فلم لا يجوز أن تكون جميع الأحاديث كذلك؟ بل وكلام الفقهاء أيضا ،
__________________
(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٣٩ الحديث ٦٣٦ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣٠٤ الحديث ٩٤١٨.