المعنى الجملي
كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه شديدى الحرص على دخول اليهود في ساحة الدين الجديد ، طامعين في انضوائهم تحت لوائه ، لأن دينهم أقرب الأديان إلى دينهم فى تعاليمه ومبادئه وأغراضه ، فهم يشركونهم في الاعتقاد بالتوحيد والتصديق بالبعث والنشور ، وكتابهم مصدّق لما معهم.
فقصّ الله في هذه الآيات على المؤمنين من أنبائهم ما أزال به أطماعهم ، وأيأسهم من إيمانهم بذكر ما كان يحدث من أسلافهم مع نبيهم موسى صلوات الله عليه بين آن وآخر من تمرد وعناد ، وجحود وإنكار ، فتأتيهم الآية تلو الآية ، ويحلّ بهم من العقاب ما هم له أهل ، فيطلبون من موسى أن يدعو الله ليرفع عنهم العذاب ، ويستجيبوا لدعوته ، حتى إذا ما رفعه عنهم عادوا سيرتهم الأولى معاندين جاحدين ، وقد بلغ من عنادهم أن قالوا له : لا نصدق بك ولا نطيع أوامرك ، حتى نسمع كلام الله ومناجاته إياك ، فاختار موسى بأمر الله سبعين رجلا منهم لسماع الوحى ، ومصاحبته إلى حيث يناجى ربه ، فسمعوا كلامه بطريق نحن لا نعرفها ولا ندرك كنهها ، واستيقنوا مناجاته ربه وسمعوا أوامره ونواهيه ـ ثم كان منهم أن حرّفوا كلام الله الذي حضروا وحيه وصرفوه عن وجهه بالتأويل والتحريف ، وهذا مثبت عندهم في التوراة ، وهى كتابهم المقدس.
فلا عجب إذا في إعراض الحاضرين عن هدى الله الذي جئت به ، فالمعارضة والاستكبار دأبهم ورثوهما من أسلافهم الذين كانوا يحرّفون ويبدلون ويكابرون وهم يشاهدون الدلائل الحسية تترى بين يدى موسي عليه السلام ، فأحر بهم أن يجحدوا دينا دلائله عقلية وآيته الكبرى معنوية ، وهى القرآن الكريم بما اشتمل عليه من تشريع فيه سهولة وتيسير للناس ، وفيه فصاحة أعجزت فصحاء العرب عن محاكاته ، لجأوا إلى