السيف والسّنان بعد أن أعجزتهم الحجة والبرهان ؛ ثم ذكر حالا أخرى لهم هى أن علماءهم وقعوا في الحيرة والاضطراب حين مجيء الدين الجديد ، أيتبعونه ولكن ربما خذله أتباعه ، أم يحتفظون بالقديم ولكن ربما كسدت سوقه وقلّ أنصاره ، وقالوا من الخير كل الخير أن نوافق كل حزب نخلو به ، ونعتذر إلى الحزب الآخر إذا عرف ما كان منا حتى يتبين اتجاه ربح السفينة.
أما عامتهم فلا علم لهم بشىء من الكتاب ، وما عندهم من الدين إلا ظنون أخذوها عن أسلافهم دون أن يكون لديهم دليل على صحتها أو فسادها ، ومثل هذا لا يسمى علما ، إنما العلم ما كان عن حجة وبرهان ، ولا يقبل الله إلا العلم الصحيح في عقائد الأديان.
الإيضاح
(أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) الطمع تعلق النفس بإدراك ما تحب تعلقا قويا ، وهو أشد من الرجاء ، أن يؤمنوا لكم ، أي أن يؤمنوا لأجل دعوتكم إياهم ، والفريق الجماعة لا واحد له من لفظه ، من بعد ما عقلوه : أي ضبطوه وفهموه ولم تشتبه عليهم صحته ، وفي ذلك إيماء إلى تعمدهم وسوء قصدهم ، وإبطال لما عساه أن يعتذر لهم به من سوء الفهم ، وقوله : وهم يعلمون ، أي وكانوا في حال العلم بالصواب لا ناسين ولا ذاهلين ، وفي هذين الوصفين نعى عليهم وتسجيل لتعمق الفسوق والعصيان فيهم.
وخلاصة المعنى ـ استبعاد الطمع في إيمان هؤلاء ، فقد كان لهم سلف من الأحبار والرؤساء على تلك الحال الشنيعة من تحريف لكلام الله بعد سماعه وتأويله بحسب ما يشاءون ، وليس هؤلاء بأحسن حالا من أولئك.
(وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا) أي وإذا لقى اليهود أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال المنافقون منهم : إنا آمنا كإيمانكم وإن محمدا هو الرسول المبشر به.