والسجود لله قسمان : سجود العقلاء تعبدا على الوجه المعروف شرعا ، وسجود المخلوقات كلها بانقيادها وخضوعها لمقتضى إرادته كما قال : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) وقال : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً).
والملائكة من عالم الغيب لا نعرف حقيقتهم ، والكتاب الكريم يرشد إلى أنهم أصناف ، لكل صنف عمل ، وقد جاء في لسان الشرع إسناد إلهام الحق والخير إلى الملائكة كما يستفاد من خطابهم لمريم عليها السلام ، وإسناد الوسوسة إلى الشياطين وهو مشهور في الكتاب والسنة ، فقد روى الترمذي «إن للشيطان لمّة بابن آدم ، وللملك لمة ، فأما لمّة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، وأما لمّة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق ، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله ، فليحمد الله على ذلك ، ومن وجد الآخر فليتعوذ بالله من الشيطان ثم قرأ : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ)» واللمة : الإلمام والإصابة.
فالملائكة والشياطين أرواح لها اتصال بأرواح الناس لا نعرف حقيقته ، بل نؤمن بما ورد فيه ولا نزيد عليه شيئا آخر.
ويرى بعض المفسرين أن ما ورد من أن الملائكة موكلون بالأعمال من إنماء نبات وخلق حيوان وحفظ إنسان ، فمعناه أن هذا النموّ في النبات إنما هو بروح خاص نفخه الله في البذرة فكانت به هذه الحياة المخصوصة ، وكذلك يقال في الحيوان والإنسان.
فكل شىء قائم بنظام خاص تمت به الحكمة الإلهية في إيجاده ، فإنما قوامه بروح إلهى سمى في لسان الشرع ملكا ، ومن لا يعترف بالغيب يسميه قوة طبيعية أو ناموسا طبيعيا ؛ فالمؤمن بالغيب يرى للأرواح وجودا لا يدرك كنهه ، والذي لا يؤمن به يقول أعرف قوة لا أفهم حقيقتها ، وإذا فلا خلاف بين الناس في وجود شىء غير ما يرى ويحسّ ، لا يفهم حق الفهم ولا يصل العقل إلى إدراك كنهه.