ثم بين ما أصاب الأمم قبلهم من الشدائد فقال :
(مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ؟) أي إن أولئك السابقين كانوا إذا أصابهم البؤس والضر ووقعوا في حال من الاضطراب والزلزلة من شدة الهول ، وقد أحاط بهم أعداء الحق من كل جانب اعتقدوا أن النصر الذي وعد الله به من ينصره قد أبطأ فاستعجلوه بقولهم : (مَتى نَصْرُ اللهِ؟).
فأجابهم الله بقوله :
(أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) فهو سينصركم على عدوكم ، ويكفيكم شرّ أهل البغي ويؤيد دعوتكم ، ويجعل كلمتكم العليا ، وكلمة الذين كفروا هى السفلى.
ونحو الآية قوله تعالى : «(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) ، وقوله : «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ».
والمسلمون لم يصلوا في الشدة إلى مثل الحال التي نال فيها أولئك الرسل ما نالوا ، فقد قتل بعض النبيين وأصابهم ضروب من الإيذاء حتى قيل إن منهم من نشر بالمنشار وهو حىّ ، وأحرق بعض بالنار كما فعل أصحاب الأخدود الذين أحرقوا المؤمنين فيه بالنار «وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ».
فليتأمل المسلمون وليعتبروا بما خوطب به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم موضع التجلة والاحترام ، وكيف عوتبوا هذا العتاب الشديد على ظنهم أنهم يدخلون الجنة وهم لم يقاسوا من البأساء والضرّاء واحتمال الشدائد في سبيل نصرة الدين ، مثل ما قاسى الذين سبقوهم بالإيمان حتى استحقوا الجنة ، فكيف لا يعاتب المسلم نفسه (وهو يعلم