(الَّذِي) خفضا يعني تلك آيات الكتاب وآيات الذي أنزل إليك ثم ابتداء الحقّ يعني ذلك الحقّ كقوله : (وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُ) يعني ذلك الحقّ.
وقال ابن عباس : أراد بالكتاب القرآن فيكون معنى الآية على هذا القول : هذه آيات الكتاب يعني القرآن ، ثمّ قال : وهذا القرآن الذي أنزل إليك من ربّك هو الحقّ ، قال الفرّاء : وإن شئت جعلت (الَّذِي) خفضا على أنّه نعت الكتاب وإن كانت فيه الواو كما تقول في الكلام : أتانا هذا الحديث عن أبي حفص والفاروق وأنت تريد ابن الخطّاب ، قال الشاعر :
أنا الملك القرم وابن الهمام |
|
وليث الكتيبة في المزدحم (١) |
(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) قال مقاتل : نزلت هذه الآية في مشركي مكّة حين قالوا : إنّ محمّدا يقول القرآن من تلقاء نفسه ، ثمّ بين دلائل ربوبيّته وشواهد قدرته فقال عزّ من قائل : (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ) وهذه الآية من جملة مائة وثمانين آية أجوبة لسؤال المشركين رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنّ الربّ الذي تعبده ما فعله وصنيعه؟ وقوله : (بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) يعني السواري والدعائم واحدها عمود وهو العمد والبناء ، يقال : عمود وعمد مثل أديم وأدم ، وعمدان ، وكذا مثل رسول ورسل ، ويجوز أن يكون العمد جمع عماد ، ومثل إهاب وأهب ، قال النابغة :
وخيس الجنّ إنّي قد أذنت لهم |
|
يبنون تدمر بالصّفاح والعمد (٢) |
واختلفوا في معنى الآية فنفى قوم العمد أصلا ، وقال : (رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ) وهو الأقرب الأصوب ، وقال جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس : يعني ليس من دونها دعامة تدعهما ، ولا فوقها علاقة تمسكها ، وروى حمّاد بن سملة عن إياس بن معاوية قال : السماء مقبّبة على الأرض مثل القبر ، وقال آخرون : معناه : الله الذي رفع السماوات بعمد ولكن لا ترونها ، فأثبتوا العمد ونفوا الرؤية ، وقال الفرّاء من تأوّل ذلك فعلى مذهب تقديم العرب الجملة من آخر الكلمة الى أوّلها كقول الشاعر :
إذا أعجبتك الدهر حال من أمرى |
|
فدعه وأوكل (٣) حاله واللياليا |
تهين (٤) على ما كان عن صالح به |
|
فان كان فيما لا يرى الناس آليا (٥) |
معناه : وإن كان فيما يرى الناس لا يألو. وقال الآخر :
__________________
(١) جامع البيان للطبري : ٢ / ١٣٧.
(٢) لسان العرب : ٤ / ٢٩١.
(٣) في المصدر : وواكل.
(٤) في المصدر : يجئن.
(٥) تفسير الطبري : ١٢٣.