وقال بعضهم : سمّيت مثاني لأنها مقسومة بين الله وبين العبد قسمين اثنين ، بيانه والذي يدل عليه ما روى أبو السائب مولى هشام بن زهرة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج هي خداج غير تمام» [١٨٥] (١).
قال أبو السائب لأبي هريرة : إني أحيانا أكون وراء الامام.
قال : فغمز أبو هريرة ذراعي ، وقال : يا فارسي اقرأها في نفسك إني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «قال الله قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ، ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل».
وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اقرؤا ، يقول : العبد : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، فيقول الله : حمدني عبدي ، ويقول العبد : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، فيقول الله : أثنى عليّ عبدي ، فيقول العبد : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ، فيقول الله : مجّدني عبدي ، يقول العبد : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، قال : هذه الآية بيني وبين عبدي ، يقول العبد : (اهْدِنَا الصِّراطَ) إلى آخره ، يقول الله : فهذا لعبدي ولعبدي ما سأل» [١٨٦] (٢).
ويقال : سمّيت (مثاني) لأنها منقسمة إلى قسمين : نصفها ثناء ونصفها دعاء ، ونصفها حق الربوبية ونصفها حق العبودية ، وقيل : لأن ملائكة السماوات يصلّون الصلوات بها ، كما أن أهل الأرض يصلّون بها. وقيل : لأن حروفها وكلماتها مثنّاة ، ومثل (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، (إِيَّاكَ) و (إِيَّاكَ) ، (الصِّراطَ ... صِراطَ) ، (عَلَيْهِمْ ... عَلَيْهِمْ) ، (غَيْرِ) ... غير ، في قراءة عمر.
وقال الحسين بن الفضل وغيره : لأنها تقرأ مرّتين كل مرّة معها سبعون ألف ملك ، مره بمكة من أوائل ما نزل من القرآن ، ومرة بالمدينة ، والسبب هو أن سبع قوافل وافت من بصرى وأذرعات ليهود بني قريضة والنضير في يوم واحد وفيها أنواع من البز وأوعية [وأفاوية] الطيب والجواهر وأمتعة البحر ، فقال المسلمون : لو كانت هذه الأموال لنا لتقوينا بها ولأنفقناها في سبيل الله فأنزل الله تعالى هذه السورة (٣).
وقال : لقد أعطيتكم سبع آيات هي خير لكم من هذه السبع القوافل ، ودليل هذه التأويل قوله في عقبها : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) الآية.
وقيل : لأنها متصدرة بالحمد ، والحمد كل كلمة تكلم بها آدم حين عطس وهي آخر كلام أهل الجنة من ذريته ، قال الله : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٤).
__________________
(١) مسند أحمد : ٢ / ٢٨٥.
(٢) الدرّ المنثور : ١ / ٦ ، الجامع الصغير : ٢ / ٢٣٧.
(٣) أسباب النزول للواحدي : ١٨٧.
(٤) سورة يونس : ١٠.