فعيل مثل الجريح والقتيل والغريق ، تقديره : إنما الشهر المؤخّر ، وقرأ أبو عبد الرحمن وطلحة والأشهب وشبل : (إِنَّمَا النَّسْئُ) ساكنة السين مهموزة على المصدر لا غير ، وقرأ أبو عمرو وورش (١) النسيّ بالتشديد من غير همزة.
وروي ذلك عن ابن كثير على معنى النسيّ أي المتروك قال الله تعالى (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) من النسيان ، ويحتمل أن يكون أصله الهمز مخفف ، واختلفوا في أصل الكلمة ، فقال الأخفش : هو من التأخير ومنه النسيئة في البيع ، ويقال : أنسأ الله أجله ، ونسأ في أجله أي أخّره ، وقال قطرب : هو من الزيادة ، وكل زيادة حدثت في شيء فهو نسيء ، وكذلك قيل للبن إذ كثر بالماء نسئ ، ونسؤ ، وللمرأة الحبلى نسؤت ، لزيادة الواو فيها ، وقد نسأت الناقة وأنسأتها إذا زجرتها ليزداد سيرها ، وقال قتادة : عهد ناس من أهل الضلالة فزادوا صفرا في الأشهر الحرم ، وكان يقوم قائمة في الموسم ويقول : ألا إن آلهتكم قد حرمت المحرم فيحرمونه ذلك العام ، ثم يقوم في العام المقبل فيقول : ألا إن آلهتكم قد حرّمت صفر فيحرمونه ذلك العام وكان يقال لهما : صفران.
وأما معنى النسيء وبدوّ أمره على ما ذكره العلماء بألفاظ مختلفة ومعنى متفق ، فهو إن العرب كانت تحرّم الشهور الأربعة وكان ذلك مما تمسّكت به من ملّة إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل ، وكان العرب أصحاب حروب وغارات فشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغزون فيها ، وقالوا : لئن توالت علينا ثلاثة أشهر حرم لا نصيب فيها شيئا لنجوعنّ ، وإنما نصيب على ظهر دوابنا فربّما احتاجوا مع ذلك إلى تحليل المحرم أو غيره من الأشهر الحرم لحرب تكون بينهم فيكرهون استحلاله ويستحلون المحرم.
وكانوا يمكثون بذلك زمانا يحرّمون صفر ، وهم يريدون به المحرم ويقولون : هو أحد الصفرين ، وقد تأوّل بعض الناس قول النبي صلىاللهعليهوسلم : ولا صفر ، على هذا ثم يحتاجون أيضا إلى تأخير الصفر إلى الشهر الذي بعده كحاجتهم إلى تأخير المحرم ، فيؤخّرون تحريمه إلى ربيع ، ثم يمكثون بذلك ما شاء الله ، ثم يحتاجون إلى مثله ، ثم كذلك فكذلك يتدافع شهرا بعد شهر حتى استدار التحريم على السنة كلّها ، فقام الإسلام وقد رجع المحرم إلى وضعه الذي وضعه الله عزوجل وذلك بعد عمر طويل.
وقال مجاهد : كان المشركون يحجّون في كل شهر عامين ، فحجّوا في ذي الحجة عامين ، ثم حجّوا في المحرم عامين ، ثم حجوا في صفر عامين ، وكذلك في الشهور التي وافقت حجة أبي بكر التي حجها قبل حجة الوداع السنة الثانية من ذي القعدة ، ثم حج النبي صلىاللهعليهوسلم في العام القابل حجة الوداع فوافقت ذي الحجة ، فذلك حين قال النبي صلىاللهعليهوسلم في خطبته : «ألا إن الزمان قد ابتدأ فدعيت يوم خلق السموات والأرض إن السنة (اثْنا عَشَرَ شَهْراً) ، (مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) : ثلاث
__________________
(١) ورش : وهو أبو سعيد وأبو عمرو عثمان بن سعيد بن عبد الله بن عمرو.