وهلكت بعده قرون كثيرة. قال لهم تمليخا : فو الله ما هو بمصدّقي أحد من الناس بما أقول ، لقد كنا فتية ، وإن الملك أكرهنا على عبادة الأوثان والذبح للطواغيت فهربنا منه عشية أمس فنمنا ، فلما انتبهنا خرجت لأشتري لأصحابي طعاما وأتجسّس الأخبار فإذا أنا كما ترون ، فانطلقوا معي إلى الكهف الذي في جبل ينجلوس أركم أصحابي. فلما سمع أرموس ما يقول تمليخا ، قال : يا قوم لعلّ هذه آية من آيات الله عزوجل جعلها لكم على يدي هذا الفتى ، فانطلقوا بنا معه يرنا أصحابه كما قال.
فانطلق معهم أرموس وأسطيوس وانطلق معهما أهل المدينة كبيرهم وصغيرهم نحو أصحاب الكهف ينظرون إليهم.
ولمّا رأى الفتية أصحاب الكهف أن تمليخا قد احتبس عليهم بطعامهم وشرابهم عن القدر الذي كان يأتي به ، ظنوا أنه قد أخذ فذهب به إلى ملكهم دقيانوس الذي هربوا منه ، فبينا هم يظنون ذلك ويتخوفون إذ سمعوا الأصوات وجلبة الخيل مصعدة نحوهم ، وظنوا أنهم رسل دقيانوس الجبّار وأنه بعث إليهم ليؤتى بهم ، فقاموا حين سمعوا ذلك إلى الصلاة ، وسلّم بعضهم على بعض ، وقالوا : انطلقوا بنا نأت أخانا تمليخا ، فإنه الآن بين يدي الجبّار دقيانوس ينتظر متى نأتيه ، فبينا هم يقولون ذلك ، وهم جلوس بين ظهراني الكهف ، فلم يروا إلّا أرموس وأصحابه وقوفا على باب الكهف ، وسبقهم تمليخا فدخل عليهم وهو ويبكي ، فلما رأوه (١) يبكي ، بكوا معه وسألوه عن شأنه ، فأخبرهم بخبره وقصّ عليهم النبأ كلّه فعرفوا عند ذلك أنهم كانوا نياما بأمر الله ذلك الزمان كلّه ، وإنما أوقظوا ليكونوا آية للناس ، وتصديقا للبعث ، وليعلموا (أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها).
ثمّ دخل على آثر تمليخا أرموس فرأى تابوتا من نحاس مختوما بخاتم من فضة فقام بباب الكهف ، ثمّ دعا رجالا من عظماء المدينة ففتح التابوت عندهم فوجدوا فيه لوحين من رصاص مكتوبا فيها : (إن مكسلمينا ومجسلمينا وتمليخا ومرطولس وكسوطونس وبيوسرس وتكريوس وبطينوس (٢) كانوا فتية هربوا من ملكهم دقيانوس الجبار مخافة أن يفتنهم عن دينهم ، فدخلوا هذا الكهف ، فلمّا أخبر بمكانهم أمر بالكهف فسدّ عليهم بالحجارة ، وإنا كتبنا شأنهم وخبرهم ليعلمه من بعدهم إن عثروا عليهم.
فلمّا رأوه عجبوا وحمدوا الله الذي أراهم آية البعث فيهم ، ثمّ إنهم رفعوا أصواتهم بحمد الله وتسبيحه ، ثمّ دخلوا على فتية الكهف فوجدوهم جلوسا بين ظهرانيه مشرقة وجوههم ، لم تبل
__________________
(١) في المخطوط : رأوهم.
(٢) يلاحظ أن المعدود ثمانية لا سبعة.