قال : «فما بالكم لا تضحكون؟». قالوا : لا نغفل عن الاستغفار.
قال : «فما بالكم لا تحزنون ولا تحردون؟». قالوا : من قبل أنّا وطّنّا أنفسنا للبلاء مذ كنّا ، وأحببناه وحرصنا عليه.
قال : «فما بالكم لا يصيبكم الآفات كما يصيب النّاس؟». قالوا : لأنّا لا نتوكل على غير الله ، ولا نعمل الأنواء والنجوم.
قال : «وهكذا وجدتم آباءكم يفعلون؟». قالوا : نعم : وجدنا آباءنا يرحمون مساكينهم ، ويواسون فقراءهم ، ويعفون عمّن ظلمهم ، ويحسنون إلى من أساء إليهم ، ويحلمون عمّن جهل عليهم ، ويصلون أرحامهم ، ويؤدون أمانتهم ، ويحفظون وقت صلاتهم ، ويوفون بعهدهم ، ويصدقون في مواعيدهم ، فأصلح الله عزوجل بذلك أمرهم ، وحفظهم ما كانوا أحياء. وكان حقا على الله أن يخلفهم في ذريتهم.
وروى قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة أن النّبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن يأجوج ومأجوج يحفرونه كلّ يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم : ارجعوا فتحفرونه غدا. فيعيده الله عزوجل كأشدّ ما كان. حتّى إذا بلغت مدتهم حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم : ارجعوا فستحفرونه إن شاء الله غدا ، فيعود إليه وهو كهيئته حين تركوه ، فيحفرونه فيخرجون على النّاس فيتبعون المياه ، ويتحصن النّاس في حصونهم ، فيرمون بسهامهم إلى السماء فيرجع فيها كهيئة الدم ، فيقولون : قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء. فيبعث الله عزوجل نغفا (١) عليهم في أقفائهم فيقتلونهم». قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «والذي نفسي بيده إنّ دواب الأرض لتسمن وتسكر سكرا من لحومهم» [٩٨] (٢).
وروى محمود بن قتادة عن أبي سعيد الخدري أنه قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «يفتح يأجوج ومأجوج فيخرجون كما قال الله عزوجل : (وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ) (٣) فيغشون الأرض وينحاز المسلمون عنهم إلى حصونهم ومدائنهم حتى إن أولهم يمرون بالنهر من أنهار الأرض» قال أبو الهيثم : الدجلة «فيشربون حتى يصير يابسة ، فيمر به الذين من بعدهم فيقولون : لقد كان بهذا المكان ماء مرّة ، حتى إذا ظهروا على أهل الأرض قالوا : هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم ، وبقي أهل السماء».
قال صلىاللهعليهوسلم : «فيهزّ أحدهم حربته ثمّ يقذفها إلى السماء فترجع إليه مختضبة دما للفتنة. فبينا
__________________
(١) في نسخة أصفهان : دودا. (هامش المخطوط)
(٢) مسند أحمد : ٢ / ٥١٠ بتفاوت يسير ، وجامع البيان للطبري : ١٦ / ٢٨.
(٣) سورة الأنبياء : ٩٦.