(إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ) أي الى كتاب الله (وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) نصب القول على خبر كان واسمه في قوله (أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَ) وذلك أنّ المنافقين كانوا يقولون لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : أينما كنت نكن معك ، إن أقمت أقمنا وإن خرجت خرجنا وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا ، فقال الله سبحانه (قُلْ) لهم (لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) أي هذه طاعة بالقول واللسان دون الاعتقاد فهي معروفة منكم بالكذب أنكم تكذبون فيها ، وهذا معنى قول مجاهد ، وقيل : معناه طاعة معروفة أمثل وأفضل من هذا القسم الذي تحنثون فيه.
(إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) من طاعتكم ومخالفتكم.
(قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا) عن طاعة الله ورسوله والإذعان بحكمهما (فَإِنَّما عَلَيْهِ) أي على الرسول (ما حُمِّلَ) كلّف وأمر به من تبليغ الرسالة (وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) من طاعته ومتابعته (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا).
سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن عقيل الورّاق في آخرين قالوا : سمعنا أبا عمرو إسماعيل بن نجيد السلمي يقول : سمعت أبا عثمان سعيد بن إسماعيل الحيري يقول : من أمّر السنّة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة ، ومن أمرّ الهوى على نفسه قولا وفعلا نطق بالبدعة لقول الله سبحانه (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا).
(وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) إنما أدخل اللام بجواب اليمين المضمر لأنّ الوعد قول ، مجازها وقال الله سبحانه (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) والله (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) أي ليورثنّهم أرض الكفّار من العرب والعجم ، فيجعلهم ملوكها وسائسيها وسكّانها.
(كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعني بني إسرائيل إذ أهلك الجبابرة بمصر والشام وأورثهم (أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ) ، وقرأه العامة : (كَمَا اسْتَخْلَفَ) بفتح التاء واللام لقوله سبحانه (وَعَدَ اللهُ) وقوله (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ).
وروى أبو بكر عن عاصم بضم التاء وكسر اللام على مذهب ما لم يسمّ فاعله.
(وَلَيُمَكِّنَنَ) وليوطّننّ (لَهُمْ دِينَهُمُ) ملّتهم التي ارتضاها لهم وأمرهم بها (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ) قرأ ابن كثير وعاصم ويعقوب بالتخفيف وهو اختيار أبي حاتم ، غيرهم : بالتشديد وهما لغتان. وقال بعض الأئمة : التبديل : تغيير حال الى حال ، والإبدال : رفع شيء وجعل غيره مكانه (مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ) بهذه النعمة (بَعْدَ ذلِكَ) وآثر يعني الكفر بالله (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ).