الشيطان على لسان رسول الله عليهالسلام قد وقعا في فم كلّ مشرك فازدادوا شرّا إلى ما كانوا عليه وشدة على من أسلم (١).
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ) وهو الذي يأتيه جبرئيل بالوحي عيانا وشفاها (وَلا نَبِيٍ) وهو الذي تكون نبوّته إلهاما أو مناما (إِلَّا إِذا تَمَنَّى) أي أحبّ شيئا واشتهاه وحدّث به نفسه ما لم يؤمر به.
(أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) أي مراده ووجد إليه سبيلا ، وقال أكثر المفسرين : يعني بقوله : (تَمَنَّى) أي تلا وقرأ كتاب الله سبحانه (أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) أي قراءته ، وتلاوته ، نظيره قوله سبحانه (لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ) (٢) يعني قراءة يقرأ عليهم.
وقال الشاعر في عثمان رضياللهعنه حين قتل :
تمنّى كتاب الله أوّل ليلة |
|
وآخره لاقى حمام المقادر (٣) |
وسمعت أبا القاسم الحبيب يقول : سمعت أبا الحسن علي بن مهدي (٤) الطبري يقول : ليس هذا التمنّي من القرآن والوحي في شيء وإنّما هو أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم كان إذا صفرت يده من المال ورأى ما بأصحابه من سوء الحال تمنّى الدنيا بقلبه وسوسة من الشيطان.
وقال الحسن : أراد بالغرانيق العلى الملائكة يعني أنّ الشفاعة ترتجى منهم لا من الأصنام ، وهذا قول ليس بالقوي ولا بالمرضىّ لقوله (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) أي يبطله ويذهبه (ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) فيثبتها (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
فإن قيل : فما وجه جواز الغلط في التلاوة على النبي صلىاللهعليهوسلم؟ فعنه جوابان :
أحدهما : أنّه على سبيل السهو والنسيان وسبق اللسان فلا يلبث أن ينبّهه الله سبحانه ويعصمه.
والثاني : أنّ ذلك إنّما قاله الشيطان على لسان رسول الله صلىاللهعليهوسلم في أثناء قراءته وأوهم أنّه من القرآن وأنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم هو الذي يتلوه ، قال الله سبحانه (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) فيشكّون في ذلك.
(وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) فلا تلين لأمر الله (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ) الكافرين (لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)
__________________
(١) أنكر ابن العربي في تفسيره ـ أحكام القرآن ـ قصّة الغرانيق لما فيها من تدخّل الشيطان في تعاليم الإسلام وتسليطه على نبيّ الرحمة الذي لا (يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى).
(٢) سورة البقرة : ٧٨.
(٣) كتاب العين : ٨ / ٣٩٠.
(٤) في النسخة الثانية : بن السدّي.