من المؤمنين (أَنَّهُ) يعني أنّ الذي أحكم الله سبحانه من آيات القرآن (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ) أي ممّا ألقى الشيطان على لسان رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
ابن جريج : من القرآن ، غيره : من الدين وهو الصراط المستقيم.
(حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) قال عكرمة والضحّاك : عذاب يوم لا ليلة له وهو يوم القيامة.
وقال الآخرون : هو يوم بدر وهو الصواب لأنّ الساعة هي القيامة ، ولا وجه لأن يقال : حتى تأتيهم القيامة وإنّما سمّي يوم بدر عقيما لأنّهم لم ينظروا فيه إلى الليل ، بل قتلوا قبل المساء قاله ابن جريج ، غيره : لأنّه لم يكن فيه رأفة ولا رحمة ، وقيل : لأنّه لا مثل له في عظم أمره لقتال الملائكة فيه.
(الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ) يعني يوم القيامة (لِلَّهِ) وحده من غير منازع ، ولا مدّع ، والملك هو اتّساع المقدور لمن له تدبير الأمور ، والله سبحانه وتعالى هو الذي يملك الأمور كلّها ، وكلّ ملك سواه فهو مملّك بحكمه وإذنه.
(يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) ثم بيّن حكمه فقال عزّ من قائل (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أي فارقوا أوطانهم وعشائرهم في طاعة الله سبحانه وطلب رضاه (ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا) وهم كذلك (لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً) في الجنة (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) وقيل : هو قوله سبحانه (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (١).
روى ابن وهب عن عبد الرّحمن بن الحجاج بن سلامان بن عامر قال : كان فضالة بن دوس أميرا على الأرباع ، فخرج بجنازتي رجلين : أحدهما قتيل والآخر متوفّى ، فرأى ميل الناس مع جنازة القتيل إلى حفرته فقال : أراكم أيّها الناس تميلون مع القتيل وتفضّلونه على أخيه المتوفّى! فو الذي نفسي بيده ما أبالي من أىّ حفرتها بعثت ، اقرءوا قول الله سبحانه (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).
(لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) نزلت في قوم من المشركين لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرّم ، فكره المسلمون قتال المشركين وسألوهم أن يكفّوا عن القتال من أجل الأشهر
__________________
(١) سورة آل عمران : ١٦٩.