وأنت تعلم انهم انما تثاقلوا عن السير أولاً وتخلفوا عن الجيش أخيرا ليحكموا قواعد سياستهم ، ويقيموا عمدها ترجيحاً منهم لذلك على التعبد بالنص ، حيث رأوه أولى بالمحافظة وأحق بالرعاية ، إذ لا يفوت البعث بتثاقلهم عن السير ، ولا بتخلف من تخلف منهم عن الجيش ، اما الخلافة فإنها تنصرف عنهم لا محالة ، إذا انصرفوا إلى الغزوة قبل وفاته صلىاللهعليهوآلهوسلم وكان بأبي هو وأمي أراد ان تخلو منهم العاصمة ، فيصفوا الأمر من بعده لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب على سكون وطمأنينة ، فإذا رجعوا وقد ابرم عهد الخلافة واحكم لعلي عقدها ، كانوا عن المنازعة والخلاف ابعد.
وانما امر عليهم أسامة وهو ابن سبع عشرة سنة (١٢) لياّلأعنة البعض وردا لجماح أهل الجماح منهم واحتياطا على الأمن في المستقبل من نزاع أهل التنافس لو أمر احدهم كما لا يخفى ، لكنهم فطنوا إلى كل ما دبر (ص) فطعنوا في تأمير أسامة وتثاقلوا عن السير معه ، فلم يبرحوا من الجرف حتى لحق النبي (ص) بربه ، فهموا حينئذ بالغاء البعث وحل اللواء تارة وبعزل أسامة أخرى ، ثم تخلف كثير منهم عن الجيش كما سمعت. فهذه خمسة امور في هذه السرية لم يتعبدوا فيها بالنصوص الجلية إيثار لرأيهم في الأمور السياسية وترجيحاً لاجتهادهم فيها على التعبد بنصوصه (ص).
ومنها رزية يوم الخميس ، وهي من الرزايا الفادحة والقضايا الثابتة نقلها أهل السير والأخبار ، واخرجها المحدثون كافة بالطرق المجمع على صحتها
__________________
صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ونقلها عنه جماعة من أهل الاخبار كالعلامة المعتزلي الحنفي في آخر صفحة ٢٠ من المجلد ٢ من شرحه لنهج البلاغة طبع مصر.
(١٢) على الاظهر ، وقيل كان ابن ثمان عشرة سنة ، وقيل ابن تسع عشرة سنة ، وقيل ابن عشرين سنة ، ولا قائل بأن عمره كان أكثر من ذلك.