ولو أصر فكتب الكتاب للجوا في قولهم هجر ولأوغل اشياعهم في اثبات هجره ( والعياذ بالله ) فسطروا به أساطيرهم وملأوا منه طواميرهم رداً على علي وشيعته اذا احتجوا بذلك الكتاب.
لهذا اقتضت حكمته البالغة أن يضرب صلىاللهعليهوآلهوسلم عن ذلك الكتاب صفحا لئلا يفتح هؤلاء المعارضون وأولياؤهم بابا إلى الطعن في نبوته ( نستجير بالله ) وقد رأى صلىاللهعليهوآلهوسلم أن أولياء علي خاضعون لخلافته ، كتب ذلك الكتاب أو لم يكتب ، وغيرهم لا يعمل به ولا يعتبره ولو كتب ، فالحكمة والحال هذه توجب تركه إذا لا أثر له بعد تلك المعارضة سوى وقوع الفتنة كما لا يخفى. ومن تأمل أحوالهم زمن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فضلاً عن أيام خلافتهم علم أنهم كانوا كما نبهناك اليه.
ألا تراهم يوم تبوك كيف انكروا اذن النبي (ص) يومئذ بنحر ابلهم وأكل لحومها ، إذ أملقوا في تلك الغزوة وجاعوا فأنكر عمر (رض) ذلك وقال : ما بقاؤكم بعد إبلكم والقضية ثابتة معروفة ، أخرجها البخاري في باب حمل الزاد في الغزو من كتاب الجهاد والسير من الجزء الأول من صحيحه ، ورواها سائر المحدثين.
وأنكروا عليه صلح الحديبية بتلك العبارات المزعجة ، وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم مأموراً به والحكمة كانت فيه بالغة ، اذ دخل بسببه في الدين أضعاف ما دخل فيه قبل ذلك ، فكان في الواقع فتحاً مبيناً (٢٤) ونصراً عزيزاً
__________________
(٢٤) وفيه انزل الله تعالى ( انا فتحنا لك فتحاً مبيناً ) عن الشعبي وغيره كما في الكشاف وغيره. وعن موسى بن عقبة كما في الكشاف أيضاً أقبل رسول الله (ص) من الحديبية راجعا فقال رجل من أصحابه : ما هذا بفتح ، لقد صدونا عن البيت وصد هدينا ، فبلغ النبي (ص) ذلك فقال : بئس الكلام هذا ، بل هو أعظم الفتوح ـ الحديث.