واما المقام الثاني : فالحق عدم الكفر ، ولنا على ذلك ادلة قاطعة وبراهين ساطعة نذكر منها ستة ثم نوكل الحكم بعدها لرأي المنصفين :
« الأول » الأصل مع عدم ما يدل على الكفر من عقل او نقل او اجماع.
« الثاني » أنا تتبعنا سيرة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فما رأيناه يكفر أحداً يشتم واحد من أصحابه رضي الله عنهم ، وكان الصحابة يتنازعون ويتشاتمون على عهده فلم يؤثر عنه تكفير أحد منهم بسبب ذلك ، حتى تشاتموا مرة أمامه وتضاربوا بالنعال ( كما رواه البخاري في أول كتاب الصلح من صحيحه وأخرجه مسلم في آخر باب دعاء النبي إلى الله من كتاب الجهاد من صحيحه ) وتقاتل الأوس والخزرج مرة على عهده صلىاللهعليهوآلهوسلم وأخذوا السلاح واصطفوا للقتال كما في آخر صفحة ١٠٧ من الجزء الثاني من السيرة الحلبية وكذا في السيرة الدحلانية وغيرها ، فأصلح بينهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يكفر بذلك أحداً منهم ، وموارد اختلافهم وتشاتمهم بل تقاتلهم وتحاربهم مسطورة في كتب الحديث والأخبار ، فهل بلغكم تكفير النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لأحدهم بهذا السبب ، أم هل سمعتم ذلك عن أحد الصحابة رضي الله عنهم ؟ وإذا كان القوم لم يثبتوا لأنفسهم هذه المنزلة فكيف أثبتها لهم المجازفون ؟
« الثالث » ما سمعته في الفصول الثلاثة المنعقدة لبيان معنى الايمان واحترام الموحدين ونجلتهم من الأحاديث الصحيحة والنصوص المتواترة الصريحة ، فراجعها لتعلم حكمها على مطلق أهل الأركان الخمسة بالايمان والاحترام ودخول الجنة ولا يخفى على كل من لحظها بطرفه أو رمقها ببصره أو سمع بيانها أو عرف لسانها امتناع تقييدها واستحالة تخصيصها ، ولذا أجمع المسلمون على عدم تخصيصها بما أخرجه مسلم في أوائل صحيحه من الأحاديث الظاهرة بكفر التارك للصلاة من المسلمين والمقاتل منهم للمسلم والعبد الآبق والنائحة على الميت والطاعن في النسب ، بل قالوا ان الغرض من هذه الصحاح وأمثالها انما هو تغليظ الحرمة وتفظيع