قضى بأن المقداد على سوابقه وحسن بلائه لو قتل ذلك الرجل لكان بمنزلة الكافرين المحاربين لله ولرسوله ، وكان المقتول بمنزلة واحد من أعاظم السابقين وأكابر البدريين الأحديين ، وهذه أقصى غاية يؤمها المبالغ في احترام أهل التوحيد ، فليتق الله كل مجازف عنيد.
وأخرج البخاري في باب بعث علي عليهالسلام وخالد إلى اليمن : أن رجلاً قام فقال : يا رسول الله اتق الله. فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ويلك ألست أحق أهل الأرض أن يتقي الله. فقال : خالد يا رسول الله ألا أضرب عنقه ؟ قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا ، لعله أن يكون يصلي (٥).
قلت : أعظم بهذا الحديث ودلالته على احترام الصلاة وأهلها ، وإذا كان احتمال كونه يصلي مانعاً من قتله ، وقد اعترض على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم جهرة وكاشفه علانية ، فما ظنك بمن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم الشهر ويحج البيت ويحلل الحلال ويحرم الحرام ، ويتعبد بقول النبي صلىاللهعليهوآله وفعله وتقريره ، ويقترب إلى الله تعالى بحبه وبموالاة أهل بيته ويرجو رحمة الله عز وجل بشفاعته متمسكاً بثقليه معتصما بحبليه ، ويوالي وليه
__________________
(٥) وأخرجه أحمد بن حنبل من حديث أبي سعيد الخدري في صفحة ٤ من الجزء الثالث من مسنده. ومثله ما نقله العسقلاني في الاصابة في ترجمة سرحوق المناطق من أنه لما أتى به ليقتل قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : هل يصلي ؟ قالوا : أذا رآه الناس. قال : اني نهيت ان اقتل المصلين ا ه. وكذلك ما أخرجه الذهبي في ترجمة عامر بن عبد الله ابن يساف من ميزانه بسند ضعيف عن أنس قال : ذكر عند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم رجل فقيل ذلك كهف المنافقين فلما أكثروا فيه رخص لهم في قتله ثم قال : هل يصلي ؟ قالوا : نعم لا خير فيها. قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : اني نهيت عن قتل المصلين. قلت : اذا كانت هذه حاله مع المنافقين المرائين بصالتهم فما ظنك بالمحافظين عليها والخاشعين المخلصين لله فيها.