يخفى ، وإذا كان كلام هذا الامام الكبير معلناً باختصاص الكفر بمن جحد الشهادتين ومنادياً بالتنزيه لأهل الأهواء والبدع ، والمتفوهين بالكلام على الذات المقدسة من أهل القبلة ، فأي وقع بعده لكلام المرجفين وتحكم المشاغبين ، وإذا كان هذا حكمه في المتفوهين بالكلام على الله عز وجل فما ظنك بمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى ؟
وقال الشيخ الأكبر ابن العربي في باب الوصايا من فتوحاته : اياكم ومعاداة أهل لا إله إلا الله ، فان لهم الولاية العامة ، فهم أولياء الله ، ولو أخطأوا وجاءوا بقراب الأرض من الخطايا وهم لا يشركون بالله شيئاً ، فان الله يتلقى جميعهم بمثلها (٢) مغفرة ، ومن ثبتت ولايته حرمت محاربته. وأطال إلى أن قال : واذا عمل أحدكم عملاً توعد الله عليه بالنار ، فليمحه بالتوحيد ، فان التوحيد يأخذ بناصية صاحبه ، لا بد من ذلك.
هذا كلامه وفيه ما تراه من الحكم على جميع أهل التوحيد بالولاية لله عز وجل ، والبشارة للمخطئين والمجرمين منهم بالمغفرة ، والجزم بأن التوحيد يمحو الكبائر ويأخذ بناصية صاحبه. والحمد لله رب العالمين.
وقال الفاضل الرشيد في صفحة ٤٤ من المجلد السابع عشر من مناره : ان من أعظم ما بليت به الفرق الاسلامية رمي بعضهم بعضاً بالفسق والكفر مع
__________________
(٢) هذا مأخوذ من حديث أخرجه الترمذي وصححه ، رواه بالاسناد إلى أنس قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : قال الله تعالى : يابن آدم انك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ، ولا أبالي. يابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك. يا بن آدم انك لو اتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً ، لآتيتك بقرابها مغفرة ا ه. وهذا الحديث ذكره الفاضل النووي في أربعينه ، وهو الحديث الاخير مما انتخبه من الاحاديث الصحيحة.