ويتوجّه على الثاني ، أنّه لو تمّ لزم حرمة السفر يوم الجمعة مطلقا ، لا خصوص ما بعد الزوال ، وكذا حرمته على كلّ مكلّف ، لا خصوص من وجب عليه الجمعة ، إلّا أن يقال : خرج ما خرج بالإجماع وبقي الباقي ، لكنّه موقوف على ثبوت الإجماع ولم يثبت ، ومع ذلك تجويز التخصيص إلى هذا القدر محلّ نظر وإشكال.
وإرادة خصوص ما بعد الزوال قبل الجمعة من يوم الجمعة بعيد جدّا ، لكن الحديث ـ على ما نقله ـ إنّما هو على طريقة المخالفين.
وفي «المصباح» نقل هكذا : «ما يؤمن من سافر يوم الجمعة قبل الصلاة أن لا يحفظه الله تعالى في سفره ، ولا يخلفه في أهله ، ولا يرزقه من فضله» (١).
وفي «النهج» : «لا تسافر في يوم الجمعة حتّى تشهد الصلاة إلّا قاصدا في سبيل الله ، أو في أمر تعذر به» (٢) ، فتأمّل!
وعلى الثالث ، أنّه مبني على أنّ الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضدّه الخاصّ ، وهو ممنوع ، كما حقّق في محلّه.
واعترض عليه أيضا ، أنّه يلزم على هذا من تحريم السفر عدم تحريمه ، وكلّ ما أدّى وجوده إلى عدمه فهو باطل ، أمّا الملازمة ، فلأنّه لا مقتضى لتحريم السفر إلّا استلزامه لفوات الجمعة ، كما هو المفروض ، ومتى حرم السفر لم تسقط الجمعة ، لأنّ سقوطها إنّما هو في السفر المباح ، كما تقدّم ، فلا يحرم السفر لانتفاء المقتضي (٣).
أقول : السفر إمّا أن يضادّ فعل الجمعة أو لا ، أمّا الأوّل وهو الغالب ، فمعلوم
__________________
(١) المصباح للكفعمي : ١٨٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٠٦ الحديث ٩٧٠٥.
(٢) نهج البلاغة : ٦٤٥ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٠٧ الحديث ٩٧٠٦ مع اختلاف يسير.
(٣) لاحظ! مدارك الأحكام : ٤ / ٥٩ و ٦٠ مع اختلاف يسير.