أنّه بعد تحقّقه لا يمكن فعل الجمعة لوجود ضدّه ، فحرمة السفر إنّما هي من جهة فوت نفس الجمعة وعدم التمكّن منها ، فقوله : (ومتى حرم السفر لم تسقط الجمعة) فيه ما فيه ، لأنّه غير متمكّن منها فكيف تكون واجبة عليه؟
وعلى فرض وجوبها عليه مع عدم تمكّنه منها ـ بناء على أنّ التقصير منه ، فلا يمنع من التكليف بها ، وإن لم يتمكّن ، كما اختاره بعض ـ أيّ فائدة في هذا الوجوب؟ لأنّ الحرام كان ترك الجمعة ، لا عدم وجوبها عليه ، والسفر كان ضدّ فعل الجمعة ، لا ضدّ الخطاب به.
وأمّا الثاني ، وهو النادر ، فلا حرمة للسفر لعدم الضدّية ، أمّا إذا وقع فعلها قبل بلوغ حدّ الترخّص ، أو تمكّن منه ، فظاهر ، وأمّا إذا لم يتمكّن منه إلّا بعد ما تجاوز عنه ، فلأنّ مقتضى الأدلّة وجوب الإتيان بالجمعة متى تمكّن منها ـ وهو متمكّن منها ـ ولا يلزم عليه اختيار خصوص ما يقع قبل حدّ الترخّص ، لو لم يكن داخلا في عموم ما دلّ على أنّ المسافر يسقط عنه الجمعة من جهة إجماع أو استصحاب ، وأمّا لو كان داخلا فيه ، يكون من جملة من وضع الله تعالى عنهم الجمعة ، ومن وضعها عنهم سقطت عنهم ، فلا يكون مؤاخذا بتركها ، فلا يكون السفر ضدّا للواجب عليه ، بل مسقطا إيّاه عنه ، وسيجيء تمام الكلام في ذلك.
فنظر المستدلّ إلى الفروض الغالبة والأفراد الشائعة ، لانحصار الضديّة المذكورة في استدلاله فيها ، كما عرفت.
لكن يتوجّه على استدلاله ما ذكر أوّلا من عدم الاستلزام ، للنهي عن الضدّ ، مضافا إلى أنّه لو تمّ لم يكن الحرام مقصورا في السفر والبيع ، ولا خصوصيّة له بهما ، بل لا فرق بينهما وبين غيرهما من الأضداد الخاصّة ، فلا وجه لجعله دليلا لهما خاصّة ، إلّا أن يكون المستدلّ يقول بحرمة الجميع من غير تفاوت بينهما وبين