ويهود بني قريظة والنضير (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً) يعني الصبا. قال عكرمة : قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب : انطلقي بنصر رسول الله صلّى الله عليه ، فقالت الشمال : إنّ الحرة لا تسري بالليل ، فكانت الريح التي أرسلت عليهم هي الصبا.
قال رسول الله صلّى الله عليه : نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور (١).
(وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها) وهم الملائكة ولم تقاتل يومئذ (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) قال المفسّرون : بعث الله تعالى عليهم بالليل ريحا باردة ، وبعث الملائكة فقلعت الأوتاد ، وقطعت أطناب الفساطيط ، وأطفأت النيران ، وأكفأت القدور ، وجالت الخيل بعضها في بعض ، فأرسل الله عليهم الرعب ، وكثر تكبير الملائكة في جوانب عسكرهم ، حتّى كان سيّد كلّ حيّ يقول : يا بني فلان هلمّ إليّ فإذا اجتمعوا عنده قال : النجا النجا أتيتم ، لما بعث الله عليهم من الرعب فانهزموا من غير قتال.
أنبأني محمد بن القاسم الفارسي قال : أخبرني أبو الحسن السليطي قال : أخبرني المؤمل ابن الحسن ، عن الفضل بن محمد الأشعراني (٢) عن عمرو بن عون ، عن خالد بن عبد الله ، عن أبي سعد سعيد بن عبد الرحمن البقّال ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه وأنبأني عقيل بن محمد ، عن المعافى بن زكريا ، عن محمد بن جرير الطبري ، عن محمد بن حميد الرازي ، عن سلمة ، حدّثني محمد بن يسار ، عن يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرطي قالا : قال فتى من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان : يا أبا عبد الله ، رأيتم رسول الله صلّى الله عليه وصحبتموه؟ قال : نعم يا بن أخي ، قال : وكيف كنتم تصنعون؟ قال : والله لقد كنّا نجهد ، قال الفتى : والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض ، ولحملناه على أعناقنا ، ولخدمناه وفعلنا وفعلنا.
فقال حذيفة : يا بن أخي والله لقد رأيتني ليلة الأحزاب مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالخندق في ليلة باردة ، لم أجد قبلها ولا بعدها بردا أشدّ منه ، فصلّى رسول الله صلّى الله عليه هونا من الليل ثمّ التفت إلينا فقال : «من يقوم فيذهب إلى هؤلاء القوم فيأتينا بخبرهم أدخله الله الجنّة» [٧] (٣).
فما قام منّا رجل ، ثمّ صلّى رسول الله صلىاللهعليهوسلم هونا من الليل ، ثمّ التفت إلينا فقال مثله ، فسكت القوم وما قام منّا رجل. ثمّ صلّى رسول الله صلّى الله عليه هونا من الليل ، ثمّ التفت إلينا فقال : من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم على أن يكون رفيقي في الجنّة؟ فما قام رجل من شدّة الخوف وشدّة الجوع وشدّة البرد ، فلمّا لم يقم أحد ، دعاني رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : يا حذيفة ، فلم يكن لي بدّ من القيام حين دعاني ، فقلت : لبّيك يا رسول الله ، وقمت حتى أتيته وإنّ
__________________
(١) مسند أحمد : ٢ / ٢٢٨ ، صحيح البخاري : ٢ / ٢٢.
(٢) في نسخة أصفهان : الشعراني.
(٣) كنز العمال : ١٠ / ٤٤٩ ، الدر المنثور : ٥ / ١٨٥.