حديث بعضهم في بعض ، قالوا : كان من حديث الخندق أنّ نفرا من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وهوذة بن قيس وأبو عمّار الوائلي في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل وهم الذين حزّموا الأحزاب على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، خرجوا حتى قدموا على قريش بمكّة ، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقالوا : إنّا سنكون معكم عليه حتّى نستأصله ، فقالت لهم قريش : يا معشر اليهود ، إنّكم أهل الكتاب الأوّل والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد ، فديننا خير أم دينه؟
قالوا : بل دينكم خير من دينه ، وأنتم أولى بالحقّ منهم ، قال : فهم الذين أنزل الله فيهم : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) إلى قوله : (وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) (١) فلمّا قالوا ذلك لقريش سرّهم ما قالوا ، ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأجمعوا لذلك ، واستعدّوا له ، ثمّ خرج أولئك النفر من اليهود حتّى جاءوا غطفان من قيس بن غيلان فدعوهم إلى حرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأخبروهم أنّهم سيكونون معهم عليه ، وأنّ قريشا قد بايعوهم على ذلك ، وأجمعوا فيه ، فأجابوهم ، فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان بن حرب ، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر في بني فزارة ، والحريث بن عون بن أبي جارية المرّي في بني مرّة ، ومسعود بن جبلة بن نويرة بن طريف بن شحمة بن عبد الله بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن زيد بن غطفان فيمن تابعه من قومه من أشجع ، فلمّا سمع بهم رسول الله صلّى الله عليه وبما أجمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة وكان الذي أشار على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالخندق سلمان الفارسي ، وكان أوّل مشهد شهده سلمان مع رسول الله صلّى الله عليه ، وهو يومئذ حرّ. وقال : يا رسول الله إنّا كنّا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا ، فعمل فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمسلمون معه حتى أحكموه.
وقد ذكرنا حديث سلمان في صفة حفر الخندق في سورة آل عمران قالوا : فلمّا فرغ رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الخندق أقبلت قريش حتّى نزلت بمجتمع الأسيال من دونه من الجرف والغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تابعهم من بني كنانة وأهل تهامة ، وأقبلت غطفان ومن تابعهم من أهل نجد حتى نزلوا [بذنب نقمى] إلى جانب أحد.
وخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمسلمون حتّى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين ، فضرب هنالك عسكره ، والخندق بينه وبين القوم ، وأمر بالنساء والذراري فرفعوا في الآطام ، وخرج عدوّ الله حيي بن أخطب النضيري حتى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب عقد بني قريظة وعهدهم ، وكان قد وادع رسول الله صلىاللهعليهوسلم على قومه وعاهده على ذلك ، فلمّا سمع كعب بحيي بن أخطب غلق دونه حصنه فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له فنادى حيي : يا كعب افتح
__________________
(١) سورة النساء : ٥١. ٥٥.