(إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ) قرأ أهل الكوفة وأيّوب بالياء واختاره أبو عبيد قال : للحائل بين التأنيث والفعل ، وكذلك روى هاشم عن أهل الشام وقرأ الباقون بالتاء (١).
(لَهُمُ الْخِيَرَةُ) أي الاختيار وقراءة العامّة (الْخِيَرَةُ) بكسر الخاء وفتح الياء ، وقرأ ابن السميقع بسكون الياء وهما لغتان (مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) فلمّا نزلت هذه الآية قالت : قد رضيت يا رسول الله ، وجعلت أمرها بيد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكذلك أخوها فأنكحها رسول الله صلىاللهعليهوسلم زيدا ، فدخل بها ، وساق إليها رسول الله صلىاللهعليهوسلم عشرة دنانير وستين درهما وخمارا وملحفة ودرعا وإزارا وخمسين مدّا من طعام وثلاثين صاعا من تمر.
وقال ابن زيد : نزلت هذه الآية في أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، وكانت أوّل من هاجر من النساء ، فـ (وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ) صلىاللهعليهوسلم ، فقال : قد قبلت ، فزوّجها زيد بن حارثة فسخطت هي وأخوها وقالا : إنّما أردنا رسول الله صلّى الله عليه فزوّجنا عبده فأنزل الله عزوجل : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) الآية.
وذلك أنّ زينب مكثت عند زيد حينا ، ثمّ إنّ رسول الله صلّى الله عليه أتى زيدا ذات يوم لحاجة ، فأبصرها قائمة في درع وخمار فأعجبته ، وكأنّها وقعت في نفسه فقال : سبحان الله مقلّب القلوب! وانصرف.
فلمّا جاء زيد ، ذكرت ذلك له ففطن زيد ، كرهت إليه في الوقت ، فألقي في نفس زيد كراهتها ، فأراد فراقها ، فأتى رسول الله صلّى الله عليه فقال : إنّي أريد أن أفارق صاحبتي.
قال : ما لك؟ أرابك منها شيء؟ قال : لا والله يا رسول الله ما رأيت منها إلّا خيرا ، ولكنّها تتعظّم عليّ بشرفها وتؤذيني بلسانها ، فقال له النبي عليهالسلام: (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ) ، ثمّ إنّ زيدا طلّقها بعد ذلك ، فلمّا انقضت عدّتها ، قال رسول الله صلّى الله عليه لزيد : ما أجد أحدا أوثق في نفسي منك. أئت زينب فاخطبها عليّ.
قال زيد : فانطلقت ، فإذا هي تخمّر عجينها ، فلمّا رأيتها ، عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها حين علمت أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذكرها فولّيتها ظهري ، وقلت : يا زينب أبشري فإنّ رسول الله يخطبك ، ففرحت بذلك وقالت : ما أنا بصانعة شيئا حتّى أوامر ربي ، فقامت إلى مسجدها وأنزل القرآن (زَوَّجْناكَها) فتزوّجها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ودخل بها ، وما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها ، ذبح شاة وأطعم الناس الخبز واللّحم حتّى امتد النهار ، فذلك قوله عزوجل : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) بالإسلام (وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) بالإعتاق وهو زيد بن حارثة (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) يعني زينب بنت جحش وكانت ابنة عمّة النبي صلّى الله عليه.
__________________
(١) تفسير الطبري : ٢٢ / ١٦ مورد الآية.