المرأة فيدنون منها ، فيغمزونها ، فإن سكتت اتّبعوها ، وإن زجرتهم انتهوا عنها ، ولم يكونوا يطلبون إلّا الإماء ، ولم يكن يومئذ تعرف الحرّة من الأمة ولأنّ زيّهن كان واحدا ، إنّما يخرجن في درع واحد وخمار الحرّة والأمة ، فشكون ذلك إلى أزواجهنّ فذكروا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه. فأنزل الله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) ... ثمّ نهى الحرائر أن يتشبهنّ بالإماء ، فقال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ) أي يرخين أرديتهن وملاحفهن فيتقنّعن بها ، ويغطّين وجوههن ورؤوسهن ليعلم أنّهنّ حرائر فلا يتعرّض لهنّ ولا يؤذين.
قوله : (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لما سلف منهن من ترك السنن (رَحِيماً) بهنّ إذ سترهنّ وصانهنّ. قال ابن عبّاس وعبيدة : أمر الله النساء المؤمنات أن يغطّين رؤوسهنّ ووجوههنّ بالجلابيب ويبدين عينا واحدة. قال أنس : مرّت جارية بعمر بن الخطّاب متقنّعة فعلاها بالدرّة وقال : يا لكاع أتشبهين بالحرائر؟ ألقي القناع.
قوله عزوجل : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) فجور ، يعني الزناة (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) بالكذب والباطل ، وذلك أنّ ناسا منهم كانوا إذا خرجت سرايا رسول الله صلّى الله عليه يوقعون في الناس أنّهم قتلوا وهزموا ، وكانوا يقولون : قد أتاكم العدوّ ونحوها.
وقال الكلبي : كانوا يحبّون أن يفشوا الأخبار ، و (أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا) ...
(لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) لنولعنّك ونحرشنّك بهم ، ونسلطنّك عليهم. (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلاً) أي لا يساكنونك في المدينة إلّا قليلا حتّى يخرجوا منها (مَلْعُونِينَ) مطرودين ، نصب على الحال ، وقيل : على الذم (أَيْنَما ثُقِفُوا) أصيبوا ووجدوا (أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً). قال قتادة : ذكر لنا أنّ المنافقين أرادوا أن يظهروا لما في قلوبهم من النفاق ، فأوعدهم الله في هذه الآية فكتموه.
وأنبأني عبد الله بن حامد الأصفهاني عن عبد الله بن جعفر النساوي ، عن محمد بن أيّوب عن عبد الله بن يونس ، عن عمرو بن شهر ، عن أبان ، عن أنس قال : كان بين رجل وبين أبي بكر شيء ، فنال الرجل من أبي بكر ، فغضب رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتّى غمر الدّم وجهه ، فقال : «ويحكم ، ذروا أصحابي وأصهاري ، احفظوني فيهم لأنّ عليهم حافظا من الله عزوجل ، ومن لم يحفظني فيهم تخلّى الله منه ، ومن تخلّى الله منه يوشك أن يأخذه» [٢٥].
(مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً).
(سُنَّةَ اللهِ) أي كسنّة الله (فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً. يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً. إِنَّ اللهَ لَعَنَ