وقال قتادة : سمّي ذا الأوتاد ؛ لأنّه كانت له مظال وملاعب وأوتاد يضرب له فتلعب له تحتها ، وقال محمد بن كعب : يعني ذا البناء المحكم ، وقال سعيد بن جبير : كان له منارات يعذّب الناس عليها ، وقال مجاهد وغيره : كان يعذّب الناس بالأوتاد ، وكان إذا غضب على أحد مدّه على الأرض وأوتد يديه ورجليه ورأسه على الأرض.
أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا مخلد قال : حدّثنا ابن علوية قال : حدّثنا إسماعيل قال : حدّثنا إسحاق بن بشير عن ابن سمعان عن عطاء عن ابن عبّاس أنّ فرعون لمّا قيل له : ذو الأوتاد أنّه كان امرأة ـ وهي امرأة خازنه خربيل (١) بن نوحابيل وكان مؤمنا كتم إيمانه مائة سنة (٢) ، وكان لقي من لقى من أصحاب يوسف ، وكانت امرأته ماشطة بنت فرعون ـ فبينما هي ذات يوم تمشّط رأس بنت فرعون إذ سقط المشط من يدها فقالت : تعس من كفر بالله ، فقالت بنت فرعون : وهل لك من إله غير أبي؟ فقالت : إلهي وإله أبيك وإله السماوات والأرض واحد لا شريك له.
فقامت فدخلت على أبيها وهي تبكي قال : ما يبكيك؟ قالت : الماشطة امرأة خازنك تزعم أنّ إلهك وإلهها وإله السماوات والأرض واحد لا شريك له. فأرسل إليها فسألها عن ذلك ، فقالت : صدقت. فقال لها ويحك : اكفري بإلهك وأقري أني إلهك ، قالت : لا أفعل فمدها بين أربعة أوتاد ثم أرسل عليها الحيات والعقارب فقال لها : اكفري بالله وإلّا عذبتك بهذا العذاب شهرين ، قالت : والله لو عذّبتني سبعين شهرا ما كفرت بالله تعالى.
قال : وكان لها ابنتان فجاء بابنتها الكبرى فذبحها على فيها ، وقال لها : اكفري بالله وإلّا ذبحت ابنتك الصغرى على فيك ، وكانت طفلة رضيعة تجد بها وجدا شديدا فقالت : لو ذبحت من على الأرض على فيّ ما كفرت بالله تعالى.
قال : فأتى بابنتها فلمّا أن قدّمت منها وأضجعت على صدرها وأرادوا ذبحها جزعت المرأة ، فأطلق الله لسان ابنتها فتكلّمت وهي من الأربعة الذين تكلّموا أطفالا ، فقالت : يا أمّاه لا تجزعي فإنّ الله سبحانه قد بنى لك بيتا في الجنّة ، اصبري فإنّك تمضين إلى رحمة الله سبحانه وكرامته ، قال : فذبحت فلم تلبث أن ماتت وأسكنها الله سبحانه الجنّة.
قال : وبعث في طلب زوجها خربيل فلم يقدروا عليه ، فقيل لفرعون : إنّه قد رئي في موضع كذا وكذا في جبال كذا وكذا ، فبعث رجلين في طلبه فانتهيا إليه وهو يصلّي وثلاثة صفوف من الوحش خلفه يصلّون ، فلمّا رأيا ذلك انصرفا ، وقال خربيل : اللهم إنّك تعلم أنّي كتمت إيماني مائة سنة ، ولم يظهر عليّ أحد فأيّما هذين الرجلين كتم عليّ فاهده إلى دينك وأعطه من الدنيا سؤله ، وأيّما هذين الرجلين أظهر عليّ فعجّل عقوبته في الدّنيا ، واجعل مصيره في العاقبة إلى
__________________
(١) ذكر القرطبي في تفسيره (١٥ / ٣٠٦) عن الثعلبي أن اسمه : حزقيل.
(٢) كما ذكره في تاج العروس (٧ / ٣٠٢) وقيل ستمائة سنة ذكره الجزائري في القصص : ٢٥٣.