(لِلْكافِرينَ) وهذا قول الحسن وقتادة قالا : كان هذا بمكّة ، لما بعث الله تعالى محمدا صلىاللهعليهوسلم إليهم وخوّفهم بالعذاب والنكال ، قال المشركون بعضهم لبعض : من أهل هذا العذاب اسألوا محمدا لمن هو وعلى من ينزل وبمن يقع ، فبيّن الله سبحانه وأنزل (سَأَلَ سائِلٌ) عذابا واقعا (لِلْكافِرينَ) أي على الكافرين ، اللام بمعنى على ، وهو النضر بن الحرث حيث دعا على نفسه وسأل العذاب فقال : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَ) لأنّه نزل به ما سأل يوم بدر ، فقتل صبرا ولم يقتل من الأسرى يومئذ غيره وغير عقبه بن أبي معيط ، وهذا قول ابن عباس ومجاهد ، وسئل سفيان بن عيينة عن قول الله سبحانه : (سَأَلَ سائِلٌ) فيمن نزلت ، فقال : لقد سألتني عن مسألة ما سألني أحد قبلك.
حدّثني أبي عن جعفر بن محمد عن آبائه ، فقال : لما كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم بغدير خم ، نادى بالناس فاجتمعوا ، فأخذ بيد عليّ رضياللهعنه فقال : «من كنت مولاه فعليّ مولاه» (١).
فشاع ذلك وطار في البلاد ، فبلغ ذلك الحرث بن النعمان القهري فأتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم على ناقة له حتّى أتى الأبطح ، فنزل عن ناقته وأناخها وعقلها ، ثمّ أتى النبيّ صلىاللهعليهوسلم وهو في ملأ من أصحابه فقال : يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسول الله فقبلناه منك ، وأمرتنا أن نصلّي خمسا فقبلناه منك ، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا ، وأمرتنا بالحجّ فقبلنا ، وأمرتنا أن نصوم شهرا فقبلنا ، ثمّ لم ترض بهذا حتّى رفعت بضبعي ابن عمّك ففضلته علينا وقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فهذا شيء منك أم من الله تعالى؟
فقال : «والّذي لا إله إلّا هو هذا من الله» فولّى الحرث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول : اللهمّ إن كان ما يقوله حقا (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ ، أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ، فما وصل إليها حتّى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله ، وأنزل الله سبحانه : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ) [٣٢] (٢).
ومن قرأ بغير همز فله وجهان : أحدهما أنّه لغة في السؤال ، تقول العرب : سال سائل وسأل سال مثل نال ينال ، وخاف يخاف ، والثاني : أن يكون من السيل ، قال زيد بن ثابت وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، سال واد من أودية جهنم يقال له سائل.
(مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ). قال ابن عباس : يعني ذي السماوات ، وقال ابن كيسان : المعارج الفتق الذي بين سمائين وأرضين ، قتادة : ذي الفواصل والنعم ، سعد بن جبير : ذي الدرجات ، القرطبي : ذي الفضائل العالية ، مجاهد : معارج الملائكة.
__________________
(١) مسند أحمد : ١ / ٨٤ ، و ٥ / ٣٤٧ ، والمستدرك : ٣ / ١١٠ ، ومصنّف ابن أبي شيبة : ٧ / ٤٩٥.
(٢) تفسير القرطبي : ١٨ / ٢٧٩ مورد الآية.