المسألة الرابعة : هل الإطلاق بالوضع؟
لا شكّ في أنّ الإطلاق في الأعلام بالنسبة إلى الأحوال ـ كما قدّمت الإشارة إليه ـ ليس بالوضع ، بل إنّما يستفاد من مقدّمات الحكمة.
وكذلك إطلاق الجمل وما شابهها ـ أيضا ـ ليس بالوضع بل بمقدّمات الحكمة ؛ وهذا لا خلاف فيه.
وإنّما الذي وقع فيه البحث هو أنّ الإطلاق في أسماء الأجناس وما شابهها هل هو بالوضع أو بمقدّمات الحكمة؟ أي إنّ أسماء الأجناس هل هي موضوعة لمعانيها بما هي شائعة ومرسلة على وجه يكون الإرسال ـ أي الإطلاق ـ مأخوذا في المعنى الموضوع له اللفظ ـ كما نسب إلى المشهور من القدماء قبل سلطان العلماء قدسسره (١) ـ أو أنّها موضوعة لنفس المعاني بما هى ، والإطلاق يستفاد من دالّ آخر ، وهو نفس تجرّد اللفظ من القيد إذا كانت مقدّمات الحكمة متوفّرة فيه؟ وهذا القول الثاني أوّل من صرّح به فيما نعلم سلطان العلماء قدسسره في حاشيته على معالم الأصول (٢) ، وتبعه جميع من تأخّر عنه إلى يومنا هذا. (٣)
وعلى القول الأوّل يكون استعمال اللفظ في المقيّد مجازا ، وعلى القول الثاني يكون حقيقة.
والحقّ ما ذهب إليه سلطان العلماء قدسسره ، بل قيل : «إنّ نسبة القول الأوّل إلى المشهور مشكوك فيها». ولتوضيح هذا القول وتحقيقه ينبغي بيان أمور ثلاثة تنفع في هذا الباب وفي غير هذا الباب (٤). وبها تكشف للطالب ما وقع للعلماء الأعلام من الاختلاف في التعبير
__________________
(١) نسب إليهم في فوائد الأصول ٢ : ٥٦٤ و ٥٦٦ ، ونهاية الأفكار ، ٢ : ٥٦٠.
(٢) طبعت هذه الحاشية ضمن المعالم المطبوع سنة ١٣٧٨ ، المكتبة العلميّة الإسلاميّة : ١٥٥.
(٣) راجع مطارح الأنظار : ٢١٨ ؛ كفاية الأصول : ٢٨٧ ، فوائد الأصول ٢ : ٥٦٦ ؛ نهاية الأفكار ٢ : ٥٦٣ ؛ المحاضرات ٥ : ٣٦٣.
(٤) وقد اضطررنا إلى الخروج عن الطريقة التي رسمناها لأنفسنا في هذا الكتاب في الاختصار. ونعتقد أنّ الطالب المبتدئ الذي ينتهي إلى هنا يكون على استعداد كاف لفهم هذه الأبحاث. واضطررنا لهذا البحث باعتبار ما له من حاجة ماسّة في فهم الطالب لكثير من الأبحاث التي قد ترد عليه فيما يأتي. ـ منه رحمهالله ـ.