معنونان كلّ واحد منهما مطابق لأحد العنوانين ، فيرجع اجتماع الوجوب والحرمة بالدقّة العقليّة إلى الاجتماع المورديّ الذي قلنا : إنّه لا بأس فيه من الاجتماع.
وعلى هذا ، فليس هناك واحد بحسب الوجود يكون مجمعا بين العنوانين في الحقيقة ، بل ما هو مأمور به في وجوده غير ما هو منهيّ عنه في وجوده. ولا تلزم سراية الأمر إلى ما تعلّق به النهي ، ولا سراية النهي إلى ما تعلّق به الأمر ، فيكون المكلّف في جمعه بين العنوانين مطيعا وعاصيا في آن واحد ، كالناظر إلى الأجنبيّة في أثناء الصلاة.
وبهذا يتّضح معنى القول بجواز اجتماع الأمر والنهي ، وفي الحقيقة ليس هو قولا باجتماع الأمر والنهي في واحد ، بل إمّا أنّه يرجع إلى القول باجتماع عنوان المأمور به والمنهيّ عنه في واحد دون أن يكون هناك اجتماع بين الأمر والنهي ، وإمّا أن يرجع إلى القول بالاجتماع المورديّ فقط ، فلا يكون اجتماع بين الأمر والنهي ، ولا بين المأمور به والمنهيّ عنه.
وأمّا القائل بالامتناع : فلا بدّ أن يذهب إلى أنّ الحكم يسري من العنوان إلى المعنون وأنّ تعدّد العنوان لا يوجب تعدّد المعنون ؛ فإنّه لا يمكن حينئذ بقاء الأمر والنهي معا وتوجّههما متعلّقين بذلك المعنون الواحد بحسب الوجود ؛ لأنّه يلزم اجتماع نفس الأمر والنهي في واحد ، وهو مستحيل ، فإمّا أن يبقى الأمر ولا نهي ، أو يبقى النهي ولا أمر.
ولقد أحسن صاحب المعالم في تحرير النزاع ؛ إذ عبّر بكلمة «التوجّه» بدلا عن كلمة «الاجتماع» فقال : «الحقّ امتناع توجّه الأمر والنهي إلى شيء واحد ...» (١).
المسألة من الملازمات العقليّة غير المستقلّة (٢)
ومن التقرير المتقدّم لبيان محلّ النزاع يظهر كيف أنّ المسألة هذه ينبغي أن تدخل في
__________________
(١) معالم الدين : ١٠٧.
(٢) اعلم أنّهم اختلفوا في كونها من المسائل الأصوليّة أو غيرها. فذهب المحقّق القميّ إلى أنّها من المسائل الكلاميّة. وذهب الشيخ الأنصاريّ إلى أنّها من المبادئ الأحكاميّة. وذهب المحقّق النائيني إلى أنّها من المبادئ التصديقيّة لعلم الأصول. وذهب أكثر المعاصرين إلى أنّها من المسائل الأصوليّة غير المستقلّة ، واختاره المصنّف في المقام. راجع القوانين ١ : ١٤٠ ؛ مطارح الأنظار : ١٢٦ ؛ فوائد الأصول ٢ : ٣٩٨ ؛ نهاية الأفكار ٢ : ٤٠٧ ؛ المحاضرات ٤ : ١٨٠ ؛ مناهج الوصول ٢ : ١١٣.