١١. اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل
قام إجماع الإماميّة على أنّ أحكام الله (تعالى) مشتركة بين العالم والجاهل بها ، أي إنّ حكم الله ثابت لموضوعه في الواقع ، سواء علم به المكلّف أم لم يعلم ، فإنّه مكلّف به على كلّ حال. فالصّلاة ـ مثلا ـ واجبة على جميع المكلّفين ، سواء علموا بوجوبها أم جهلوه ، فلا يكون العلم دخيلا في ثبوت الحكم أصلا.
وغاية ما نقوله في دخالة العلم في التكليف دخالته في تنجّز الحكم التكليفيّ ، بمعنى أنّه لا يتنجّز على المكلّف على وجه يستحقّ على مخالفته العقاب إلاّ إذا علم به ، سواء كان العلم تفصيليّا أو إجماليّا (١) أو قامت لديه حجّة معتبرة على الحكم تقوم مقام العلم.
فالعلم أو ما يقوم مقامه يكون ـ على ما هو التحقيق ـ شرطا لتنجّز التكليف ، لا علّة تامّة ؛ خلافا للشيخ الآخوند صاحب الكفاية قدسسره ؛ (٢) فإذا لم يحصل العلم ولا ما يقوم مقامه بعد الفحص واليأس لا يتنجّز عليه التكليف الواقعيّ ، يعني لا يعاقب المكلّف لو وقع في مخالفته عن جهل ، وإلاّ لكان العقاب عليه عقابا بلا بيان ، وهو قبيح عقلا ، وسيأتي إن شاء الله (تعالى) في أصل البراءة شرح ذلك. (٣)
وفي قبال هذا القول زعم من يرى أنّ الأحكام إنّما تثبت لخصوص العالم بها ، أو من قامت عنده الحجّة ، فمن لم يعلم بالحكم ولم تقم لديه الحجّة عليه لا حكم في حقّه حقيقة وفي الواقع. (٤)
__________________
(١) سيأتي في المقصد الرابع ـ إن شاء الله (تعالى) ـ مدى تأثير العلم الإجماليّ في تنجّز الأحكام الواقعيّة. ـ منه قدسسره. (يأتي في المقصد الرابع : ٥٩٧).
(٢) لا يخفى أنّ المحقّق الخراسانيّ ذهب إلى أنّ العلم التفصيليّ بالتكليف الفعليّ علّة تامّة لتنجّز التكليف ، وأمّا : العلم الاجماليّ فكان كالتفصيلي في مجرّد الاقتضاء ، لا في العلّيّة التامّة ، فيوجب التنجّز لو لم يمنع عن التنجّز دليل ، وترخيص عقليّ ، كما في غير المحصورة ، أو شرعيّ كما في المحصورة. راجع كفاية الأصول : ٢٩٧ و ٣١٣ ـ ٣١٤.
(٣) لم ينته الكتاب إلى أصل البراءة. وإن شئت فراجع فوائد الأصول ٣ : ٣٦٥.
(٤) هذا ما زعمه أكثر العامّة فراجع الإحكام في أصول الأحكام (للآمدي) ١ : ٢١٥ ؛ نهاية السئول ١ : ٣١٥ ؛ المستصفى ١ : ٨٣ ؛ فواتح الرحموت (المطبوع بهامش المستصفى ١ : ١٤٣).