إلاّ المعذّريّة في مخالفته ، ورفع العقاب على المخالفة ، لا أكثر ، وهذه المعذّريّة يقتضيها نفس الرخصة في اتّباع الأمارة التي قد تخطأ.
وعلى هذا ، فليس لهذا الأمر الطريقيّ المتعلّق باتّباع الأمارة ـ بما هو أمر طريقيّ ـ مخالفة ، ولا موافقة ؛ لأنّه في الحقيقة ليس فيه جعل للداعي إلى الفعل الذي هو مؤدّى الأمارة مستقلاّ عن الأمر الواقعيّ ؛ وإنّما هو جعل للأمارة ؛ منجّزة للأمر الواقعيّ ، فهو موجب لدعوة الأمر الواقعيّ ، فلا بعث حقيقيّ في مقابل البعث الواقعيّ ، فلا تكون له مصلحة إلاّ مصلحة الواقع ، ولا طاعة غير طاعة الواقع. إذ لا بعث فيه إلاّ بعث الواقع.
١٤. المصلحة السلوكيّة
ذهب الشيخ الأنصاريّ قدسسره (١) إلى فرض المصلحة السلوكيّة في الأمارات ؛ لتصحيح جعلها ـ كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك في مبحث الإجزاء (٢) ـ ، وحمل عليه كلام الشيخ الطوسيّ في «العدّة» (٣) والعلاّمة في «النهاية». (٤)
وإنّما ذهب إلى هذا الفرض ؛ لأنّه لم يتمّ عنده تصحيح جعل الأمارة على نحو الطريقيّة المحضة ، ووجد أيضا أنّ القول بالسببيّة المحضة يستلزم القول بالتصويب المجمع على بطلانه عند الإماميّة ، (٥) ، فسلك طريقا وسطا ، لا يذهب به إلى الطريقيّة المحضة ، ولا إلى السببيّة المحضة ، وهو أن يفرض المصلحة في نفس سلوك الأمارة وتطبيق العمل على ما أدّت إليه ، وبهذه المصلحة يتدارك ما يفوت من مصلحة الواقع عند الخطأ ؛ فتكون الأمارة من ناحية لها شأن الطريقيّة إلى الواقع ، ومن ناحية أخرى لها شأن السببيّة.
وغرضه من فرض المصلحة السلوكيّة أنّ نفس سلوك طريق الأمارة والاستناد إليها في العمل بمؤدّاها فيه مصلحة تعود لشخص المكلّف ، يتدارك بها ما يفوته من مصلحة
__________________
(١) فرائد الأصول ١ : ٤٢.
(٢) راجع المقصد الثاني : ٢٥٧ ـ ٢٥٨.
(٣) العدّة ١ : ٢٥ ـ ٢٧.
(٤) نهاية الأصول للعلاّمة الحلّي ، مخطوط.
(٥) كما في فوائد الأصول ٣ : ٩٥ ، و ٤ : ٧٥٨.