قطعيّا ـ كما تقدّم (١) ـ فلا يصحّ الاستدلال بالآيات التي هي ظنّيّة الدلالة ؛ لأنّ ذلك استدلال بالظنّ على حجّيّة الظنّ ، ولا ينفع كونها قطعيّة الصدور.
ولكنّ الجواب عن هذا الوهم واضح ؛ لأنّه قد ثبتت بالدليل القطعيّ حجّيّة ظواهر الكتاب العزيز ـ كما سيأتي (٢) ـ ، فالاستدلال بها ينتهي بالأخير إلى العلم ، فلا يكون استدلالا بالظنّ على حجّيّة الظنّ ، ونحن على هذا المبنى نذكر الآيات التي ذكروها على حجّيّة خبر الواحد ، فنكتفي بإثبات ظهورها في المطلوب :
الآية الأولى : آية النبأ
وهي قوله (تعالى) في سورة الحجرات : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) (٣).
وقد استدلّ بهذه الآية الكريمة من جهة مفهوم الوصف ، ومن جهة مفهوم الشرط ، والذي يبدو أنّ الاستدلال بها من جهة مفهوم الشرط كاف في المطلوب (٤).
وتقريب الاستدلال يتوقّف على شرح ألفاظ الآية أوّلا ، فنقول :
١. «التبيّن» ، إنّ لهذه المادّة معنيين :
الأوّل : بمعنى الظهور ، فيكون فعلها لازما ، فنقول : «تبيّن الشيء» إذا ظهر وبان. ومنه قوله (تعالى) : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) (٥) ، (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) (٦).
__________________
(١) تقدّم فى الصفحتين : ٣٧٦ و ٣٧٩.
(٢) يأتي في الصفحة : ٥٠٢ ـ ٥٠٦.
(٣) الحجرات (٤٩) الآية : ٦.
(٤) وأمّا تقريب الاستدلال بها من جهة مفهوم الوصف فأنّ الآية الشريفة نزلت في شأن «الوليد» ؛ لمّا أخبر بارتداد «بني المصطلق». وكان هذا الخبر خبرا واحدا ، والمخبر به فاسقا. قال : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ،) فعلّق وجوب التبيّن على وصف الفاسق ، ومقتضى تعليق الحكم على وصف الفاسق انتفاؤه عند انتفائه ، هذا إذا قلنا بثبوت المفهوم للوصف ، وأمّا إذا قلنا بأنّه لا مفهوم له ـ كما ذهب إليه المصنّف وبعض آخر ـ فلا مجال له.
(٥) البقرة (٢) الآية : ١٨٧.
(٦) فصّلت (٤١) الآية : ٥٣.