في «الرسائل» :
منها : ما ادّعاه الكشّي (١) من إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عن جماعة ؛ فإنّه من المعلوم أنّ معنى التصحيح المجمع عليه هو عدّ خبره صحيحا ، بمعنى عملهم به ، لا القطع بصدوره ؛ إذ الإجماع وقع على التصحيح لا على الصّحة.
ومنها : دعوى النجاشيّ (٢) أنّ مراسيل ابن أبي عمير مقبولة عند الأصحاب. وهذه العبارة من النجاشيّ تدلّ دلالة صريحة على عمل الأصحاب بمراسيل مثل ابن أبي عمير ، لا من أجل القطع بالصدور ، بل لعلمهم أنّه لا يروي ولا يرسل إلاّ عن ثقة. إلى غير ذلك من القرائن التي ذكرها الشيخ الأنصاريّ من هذا القبيل. (٣)
وعليك بمراجعة الرسائل في هذا الموضوع ، فقد استوفت البحث أحسن استيفاء ، وأجاد فيها الشيخ فيما أفاد ، وألمّ (٤) بالموضوع من جميع أطرافه ، كعادته في جميع أبحاثه. وقد ختم البحث بقوله السديد : «والإنصاف أنّه لم يحصل في مسألة ـ يدّعى فيها الإجماع من الإجماعات المنقولة ، والشهرة العظيمة ، والأمارات الكثيرة الدالّة على العمل ـ ما حصل في هذه المسألة ، فالشاكّ في تحقّق الإجماع في هذه المسألة لا أراه يحصل له الإجماع في مسألة من المسائل الفقهيّة ، اللهمّ إلاّ في ضروريّات المذهب».
وأضاف «لكنّ الإنصاف أنّ المتيقّن من هذا كلّه الخبر المفيد للاطمئنان ، لا مطلق الظنّ» (٥). ونحن له من المؤيّدين. جزاه الله خير ما يجزي العلماء العاملين.
د. دليل حجّيّة خبر الواحد من بناء العقلاء
إنّه من المعلوم قطعا ـ الذي لا يعتريه الريب ـ استقرار بناء العقلاء طرّا ، واتّفاق سيرتهم العمليّة ـ على اختلاف مشاربهم وأذواقهم ـ على الأخذ بخبر من يثقون بقوله ويطمئنّون
__________________
(١) رجال الكشي : ٤٦٦.
(٢) رجال النجاشي ٢ : ٢٠٦.
(٣) فرائد الأصول ١ : ١٥٨ ـ ١٦١.
(٤) ألمّ بالموضوع أي : عرفه.
(٥) فرائد الأصول ١ : ١٦١.